[101_2]
وكيف تثبت الزندقة إذا لم تقم عليها بينات ظاهرة من أقوال وأفعال؟ ولو كان في دينه أدنى عهدة لكان المنصور العباسي قتله على الزندقة جهرة يوم أزمع قتله، ثم إنهم اتهموا ابن المقفع بأنه عارض القرآن وقالوا إنه تاب وأناب، وهذه التهمة أيضا كثيرا ما وجهت إلى بعض العظماء بغية إسقاطهم في نظر الملوك والسوقة. ةتخرص عليه المتخرصون أنه مر ببيت نار للمجوس بعد أن أسلم فقال متمثلا:
يا بيت عاتكة الذي أتعزل ... حذر العدى وبك الفؤاد موكل
إني لأمنحك الصدود وإنني ... قسما إليك مع الصدود لأميل
وقالوا إنه كثيرا ما تمثل بهذين البيتين، ليخلصوا من ذلك إلى أن إسلامه كان صوريا، والدلائل كلها مكذبة لأقوالهم، فإن ابن المقفع لم يخالف الشرع بل خدمه وأحنى عليه. أليس هو القائل: فأصل الأمر في الدين أن تعتقد الإيمان على الصواب، وتجتنب الكبائر، وتؤدي الفريضة، فالزم ذلك لزوم من لا غناء به عنه طرفة عين، ومن يعلم أنه من حرمه هلك، ثم أن قدرت أن تجاوز ذلك إلى التفقه في الدين والعبادة فهو أفضل وأكمل، وكيف يتهم بدينه من قال في حكمه الفاشية بين الناس: أحق ما صان الرجل أمر دينه - المغبون من طلب الدنيا بعمل الآخرة - المصيبة العظمى الرزية في الدين طوبى لمن ترك دنياه لآخرته.
وإذا جئت تعلل اجتماعه بهؤلاء الأدباء الذين ذكروا، واتهمهم المتهمون بالإلحاد، سجلت خطأ لهم وضعف أحكامهم، وقد كان على الدهر أعظم سلوى للنفس اجتماع المتماثلين. وليس من المحظور في قانون الأرض وقانون السماء أن يسمر الناس ويتنادروا ويتمازحوا، وهذه الطبقة من الرجال كانت من أرق الناس وأفضلهم؛ ذكر أبو عبد الله المرزبان بإسناد له عن بعض الرواة قال: أدركت طبقة بالكوفة يقال لهم حلية الأرض ونقش الزمان، وهم حماد عجرد ووالبة بن الحباب ومطيع بن إياس ويحي بن زياد وشراعة بن الزند بوذ، ومعظم هؤلاء كانوا عشراء ابن
Page 101