Umam Muttahida Muqaddima Qasira
الأمم المتحدة: مقدمة قصيرة جدا
Genres
2
مع هذا، باشرت العصبة أعمالها من جنيف بسويسرا في عام 1920، بعد أن استضافتها لندن فترة مؤقتة، وسريعا ما أحرزت العصبة نجاحات محدودة؛ ففي أوائل عشرينيات القرن العشرين، سوت العصبة منازعات إقليمية بين فنلندا والسويد حول جزر أولند، وبين ألمانيا وبولندا حول سيسيليا العليا، وبين العراق وتركيا حول مدينة الموصل. كافحت المنظمة تجارة الأفيون الدولية وخففت من حدة أزمة اللاجئين في روسيا بقدر من النجاح. وقد وفرت العصبة - بعملها كمنظمة أم لوكالات مثل منظمة العمل الدولية والمحكمة الدائمة للعدل الدولي (سلف محكمة العدل الدولية الحالية) - نموذجا لمنظمة الأمم المتحدة المستقبلية.
خضعت العصبة - بوصفها منظمة للدول المنتصرة - لهيمنة فرنسا وبريطانيا العظمى، إلى جانب اليابان وإيطاليا كعضوين دائمين في مجلس المنظمة (الذي يعادل تقريبا مجلس الأمن في الأمم المتحدة اليوم وأعلى سلطة في شئون الأمن الدولي). كانت الدول المؤسسة الثماني والعشرين، والممثلة بالجمعية العامة، في أغلبها دولا أوروبية ومن أمريكا اللاتينية.
في الواقع، كانت عصبة الأمم بهذا المعنى تعبيرا عن الهيمنة الأوروبية على العالم في ذلك الوقت؛ إذ كانت أغلب دول أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط واقعة تحت سيطرة القوى الاستعمارية الأوروبية. وبطبيعة الحال أرست العصبة ما سمي بنظام الانتداب كي تعد «أهالي» الأقاليم المختلفة للحكم الذاتي والاستقلال. ومنحت الدول التي لها حق الانتداب - كبريطانيا في فلسطين، وفرنسا في لبنان وسوريا - سلطات واسعة فيما يخص تلك الإعدادات. وقد أخذوا وقتهم وزيادة، واضطرت الدول الواقعة تحت الانتداب إلى الانتظار حتى عام 1945 كي تحقق الاستقلال، الذي أتى مصحوبا بالكثير من العنف وعدم الاستقرار، ثم - على المدى البعيد - عدم الأمان المزمن.
ومع ما اتسم به نظام الانتداب من قصر نظر، فإنه كان بمنزلة قنبلة موقوتة لم تنفجر إلا بعد أن زالت العصبة نفسها من الوجود، وكان فشل العصبة في منع نشوب الحرب العالمية الثانية هو السبب في زوالها. (2) العالم في حرب
مع أن غياب الولايات المتحدة كان عاملا مهما تسبب في إصابة عصبة الأمم بالعجز؛ فإن أهمية هذه المنظمة تضاءلت أكثر بسبب عدم احترام القوى العظمى لها. انضمت ألمانيا والاتحاد السوفييتي للعصبة، لكن لفترة وجيزة: إذ انضمت ألمانيا عام 1926، ثم خرجت بعد اعتلاء النازي سدة الحكم عام 1933، وفي عام 1933 انضم الاتحاد السوفييتي للعصبة، لكن بعدها بست سنوات، بعد هجومه على فنلندا في أواخر 1939، صار الاتحاد السوفييتي العضو الوحيد الذي طرد من العصبة.
حينها، كانت العصبة قد شهدت انسلاخ اثنين من الأعضاء المؤسسين عنها؛ إذ غادرتها اليابان في عام 1933 بسبب عدم رضاها عن النقد الذي تعرضت له بسبب احتلالها لمنشوريا، وطرحت إيطاليا الالتزامات التي تفرضها العضوية جانبا حين غزت إثيوبيا، إحدى الدول الأفريقية الثلاث الأعضاء بالعصبة (إلى جانب ليبيريا وجنوب أفريقيا) ونجحت في احتلالها.
لماذا فشلت العصبة في مجابهة هذه السلسلة من الأفعال العدوانية التي اقترفها عدد من القوى العظمى العازمة على استخدام القوة العسكرية لتحقيق أهدافها التوسعية؟ من المؤكد أن الأزمة الاقتصادية العالمية في الثلاثينيات كبحت حماس الدول الأخرى - فرنسا وبريطانيا تحديدا - للمخاطرة بالأرواح والموارد بالقتال في حروب بعيدة لم يكن لها أثر مباشر على أمنها القومي. ومن ثم، تحولت إلى سياسة المهادنة، التي ثبت فشلها في نهاية المطاف؛ فخلال مؤتمر ميونخ الذي عقد عام 1938، وافقت بريطانيا وفرنسا على تفكيك تشيكوسلوفاكيا بالموافقة على ضم منطقة السوديت إلى ألمانيا بزعامة هتلر. لو كان مبرر هذا الفعل هو وجود عدد كبير من السكان المتحدثين بالألمانية في المناطق التي تخلت عنها تشيكوسلوفاكيا، فقد لا يكون هناك مبرر للاحتلال الألماني اللاحق لما بقي من تشيكوسلوفاكيا. وحين هاجمت ألمانيا بولندا في سبتمبر عام 1939، بعد عقد حلف مشئوم مع الاتحاد السوفييتي قبلها بشهر واحد، تبددت تماما الآمال العريضة التي علقت على العصبة منذ عقدين فحسب.
تسبب عجز عصبة الأمم عن ممارسة ضغط كاف في حالات العدوان الصريح في تحجيمها أكثر وأكثر؛ فوفق الاتفاقية الخاصة بها، يحق للعصبة توجيه الإنذارات اللفظية أو فرض عقوبات اقتصادية على الدولة المعتدية، وإذا فشلت هذه الطرق يحق لها التدخل عسكريا. من الناحية النظرية، كانت هذه الخطوات منطقية ومعقولة، وفي حين عجزت الإنذارات اللفظية عن إثناء الدولة المعتدية القوية والمصممة على المضي في عدوانها، احتاجت العقوبات الاقتصادية تعاونا دوليا. ولما كانت العصبة لا تملك أي سلطة فيما وراء عدد أعضائها المحدودين، ظلت الدول الواقعة تحت ضغوط العقوبات الاقتصادية قادرة على المتاجرة مع الدول غير الأعضاء بالعصبة، وخلال الأزمة الاقتصادية العالمية في الثلاثينيات تحديدا، لم يكن من العسير العثور على الأطراف الراغبة في المتاجرة، ولأن العصبة لم تملك جيشا خاصا بها، استلزم التدخل العسكري أن توفر الدول الأعضاء القوات المطلوبة. على أرض الواقع كان هذا يعني القوات الفرنسية والبريطانية، لكن لم تكن أي من الدولتين مهتمة بالتورط في صراعات قد تكلفها الكثير في أفريقيا أو آسيا.
وبحلول الوقت الذي طردت فيه العصبة الاتحاد السوفييتي في عام 1939، لم يعد هناك مفر من الاعتراف بأن العصبة فشلت في هدفها الشامل؛ فلم تصبح العصبة - كما أمل ويلسون - «ضمانا مؤكدا للسلام». ومع هذا، صار جليا مع بداية الحرب العالمية الثانية أن هناك حاجة لنوع من المنظمات الدولية لحمايتنا من التردي نحو حروب مهلكة في المستقبل. وكان هناك هدف أساسي: عدم السماح بتكرار تجربة عصبة الأمم. (3) الإنشاء
Unknown page