Umam Muttahida Muqaddima Qasira
الأمم المتحدة: مقدمة قصيرة جدا
Genres
لا يشير ميثاق الأمم المتحدة نفسه إلى «حفظ السلام»، لكن هذا المفهوم تطور (وصار جزءا أساسيا من برنامج عمل الأمم المتحدة) في السنوات اللاحقة. يرجع سبب هذا في جزء منه إلى الحقيقة البسيطة التي مفادها أن الدول الواحدة والخمسين المؤسسة للأمم المتحدة رفضت فكرة تدخل المنظمة في الشئون الداخلية لأي دولة. وعلى هذا فإن حفظ السلام - الذي يعني في النهاية وضع قوات عسكرية داخل حدود دولة ما بغرض وقف أعمال العدوان - يمكن بسهولة أن يعد خرقا للسيادة القومية. تحسبا لهذا الاحتمال فإن عمليات حفظ السلام «التقليدية» - التي عادة يشار إليها ب «الجيل الأول» - لم تكن ممكنة إلا بموافقة أطراف القتال. ومع الأسف يمكن أن يكون لهذا أثر عكسي؛ فالدولة «المضيفة» يحق لها المطالبة بسحب قوات حفظ السلام من أراضيها (كما حدث من جانب مصر عام 1967)، أو ببساطة رفض دخولها من الأساس.
أيضا لم تملك الأمم المتحدة الوسائل التي تمكنها من الاضطلاع بمهام حفظ سلام واسعة، ففكرة وجود قواعد دائمة للأمم المتحدة موزعة حول العالم، التي جرى تصورها في الأساس في المادة 43 من ميثاق الأمم المتحدة، لم يكتب لها النجاح. ومع أن السبب الأساسي لهذا الفشل كان ظهور التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في السنوات التالية على الحرب مباشرة، فإنه ارتبط أيضا بحقيقة أن عالم عام 1945 كانت تحكمه إمبراطوريات افترضت أن لها الحق في لعب دور القوة الشرطية التي تحفظ النظام داخل «محيطها». فدول كبريطانيا وفرنسا اعتبرت أن ممتلكاتها الاستعمارية تقع داخل حدود سيادتها القومية. وبفضل تمتعها بحق النقض داخل مجلس الأمن، كانت في موقف يمكنها من منع تأسيس أي قوة دولية للتدخل السريع .
إلا أن التفكك السلس للإمبراطوريات الأوروبية في أعقاب الحرب العالمية الثانية أوجد مشكلات وصراعات استلزمت نوعا جديدا من قوى حفظ النظام؛ ففي عامي 1947 و1948 أكدت المجازر التي وقعت على خلفية تقسيم الهند وباكستان - إلى جانب أولى الحروب العربية الإسرائيلية وظهور مشكلة اللاجئين الفلسطينيين - بما لا يدع مجالا للشك أن الأمم المتحدة بحاجة لتسليح عسكري إذا رغبت في التخفيف من حدة الصراعات في العالم. نتج عن هاتين الأزمتين إنشاء أطول بعثتين دائمتين لحفظ السلام: ففي مايو 1948 أنشئت «هيئة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة» في الشرق الأوسط، ومقرها القدس، وفي يناير 1949 نشر «فريق مراقبي الأمم المتحدة العسكريين في الهند وباكستان» لمراقبة وقف إطلاق النار في إقليم كشمير. كانت البعثتان - وستظلان - بعثتي مراقبة محدودتي النطاق، ولا يعد استمرارهما لهذه الفترة الطويلة إشارة طيبة عن أي من المنطقتين.
شهد الصراع الكوري نشر أكبر قوة تابعة للأمم المتحدة في منطقة للصراع، بيد أن هدف المهمة التي قادتها الولايات المتحدة كان صد الهجوم الذي وقع بالفعل، وليس الحفاظ على سلام هش. ومن الحقائق التي لا يعلمها سوى قليلين أن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة ظلت على جانب كوريا الجنوبية من المنطقة منزوعة السلاح حتى عام 1967، حين تسلمت القوات الأمريكية وقوات كوريا الجنوبية زمام الأمور.
إن ميلاد قوات حفظ السلام - «أول قوات حفظ أمن دولية بحق»، كما عبر عنها بيرسون - لم يحدث إلا في منتصف الخمسينيات.
قرار الجمعية العامة رقم 998
في الرابع من نوفمبر عام 1956 تبنت الجمعية العامة الاقتراح الكندي الذي طلب «كضرورة ملحة، من الأمين العام أن يقدم إليها - وفي غضون ثمان وأربعين ساعة - خطة لإنشاء قوات طوارئ دولية تابعة للأمم المتحدة، بموافقة الدول المعنية؛ لتأمين ومراقبة وقف القتال» على امتداد قناة السويس. تبنت الجمعية هذا القرار بموافقة 57 دولة ولم تعترض أي دولة مع امتناع 19 دولة عن التصويت. من بين الدول التي امتنعت عن التصويت مصر وفرنسا وإسرائيل والمملكة المتحدة والاتحاد السوفييتي وعدد من دول أوروبا الشرقية. (2) السويس وحفظ السلام
تبع تأميم مصر لقناة السويس في صيف عام 1956 غزو إسرائيلي وتدخل عسكري إنجليزي فرنسي. ونظرا لعجز مجلس الأمن عن اتخاذ أي إجراء، اعتمدت الجمعية العامة قرارا تاريخيا (القرار 998) في الرابع من نوفمبر عام 1956 يخول الأمين العام السويدي، داج همرشولد، لإنشاء ونشر قوة طوارئ تابعة للأمم المتحدة، تكون مسئولة أمام همرشولد ويرأسها مسئول عسكري محايد. بدأ الاقتراح في الأساس من جانب ليستر بيرسون، الذي عرض في البداية أن تتكون القوات من جنود كنديين بالأساس. بيد أن المصريين كانوا متشككين في السماح لدولة من دول الكومنولث بالدفاع عنهم ضد بريطانيا العظمى وحلفائها. وفي النهاية، جرى الاعتماد على مجموعة متنوعة من القوات الدولية لضمان التنوع الكافي. وقد فاز بيرسون في عام 1957 بجائزة نوبل للسلام لدوره، وهو يعد اليوم أبا روحيا لعمليات حفظ السلام الحديثة.
كان الغرض من وجود قوة حفظ سلام قوية متعددة الجنسيات مكونة من 6 آلاف فرد بسيطا: أن تقيم حاجزا ماديا بين إسرائيل ومصر. وقد نجح الأمر، وإن لم يدم سوى عقد واحد. اعتمد وجود قوات الطوارئ الدولية على موافقة الدول الإقليمية (أو المضيفة). وفي عام 1967 طلب الزعيم المصري جمال عبد الناصر من قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة المغادرة قبل وقت قصير من حرب الأيام الستة، التي احتلت خلالها إسرائيل شبه جزيرة سيناء (إلى جانب مرتفعات الجولان والضفة الغربية).
الدلالة الرئيسية لأزمة السويس من منظور الأمم المتحدة هي أنها كانت النموذج الأولي لعمليات حفظ السلام الحديثة. وفي صراعات عديدة أخرى بعد عام 1956، وصلت القوات ذات الخوذات الزرقاء، التي يرتديها في الأساس جنود الدول التي لا تنتمي للقوى الخمس العظمى، ووفرت درعا لوقف أي عمليات اقتتال مستقبلية، وليس مسموحا لهذه القوات باستخدام الأسلحة إلا للدفاع عن نفسها.
Unknown page