Umam Muttahida Muqaddima Qasira
الأمم المتحدة: مقدمة قصيرة جدا
Genres
خليط مستحيل: هيكل الأمم المتحدة
عبر داج همرشولد - في مقابلة مع مجلة تايم في صيف عام 1955 - عن إحباطه بشأن الصورة العامة للأمم المتحدة، وقد كان قلقا - تحديدا - من أن كثيرا من الناس رأوا في المنظمة - التي لم تتجاوز من العمر عشرة أعوام - كيانا بيروقراطيا ضخما عاجزا عن مجابهة المخاوف الملموسة لدى البشر العاديين. والأمر المساوي في الأهمية هو أن همرشولد رأى أن مثل هذا السخط كان يبعد منظمة الأمم المتحدة عن الأشخاص الذين صممت المنظمة لخدمتهم تحديدا. ولم يكن هناك سوى حل واحد، وقد عبر عنه همرشولد بقوله: «سيكون كل شيء على ما يرام، أتعلمون متى؟ حين يتوقف الناس - الناس وحسب - عن التفكير في الأمم المتحدة بوصفها لوحة تجريدية عجيبة أشبه بلوحات بيكاسو، والنظر إليها كلوحة رسموها بأنفسهم.»
1
تشير تعليقات ثاني أمين عام للأمم المتحدة إلى واحدة من المشكلات المحورية التي تواجهها المنظمة العالمية؛ ففي عام 1955 كانت الأمم المتحدة حاضرة بالفعل، لكنها كانت بعيدة؛ ليس فقط لأنها كانت تعمل في مجالات عديدة مختلفة، ومن خلال وكالات عديدة مختلفة، وبمجموعة متنوعة من الأهداف المتباينة؛ فقد كانت - كما الحال معها اليوم - «لوحة تجريدية عجيبة أشبه بلوحات بيكاسو»؛ خليط تنظيمي يستحيل تفسير وظائفه العديدة بلغة بسيطة. ليس هناك جدوى من القول: إن الأمم المتحدة كيان هيكلي ضخم؛ خليط من المنظمات والشعب والهيئات والأمانات التي تحمل كل منها اسما مركبا مميزا لا تستطيع سوى قلة من البشر أن يلموا بها. وهذا وحده كفيل بتفسير العديد من مشكلات الأمم المتحدة.
لكن الفكرة المحورية هنا هي أن الأسباب الداعية لبناء مثل هذا الخليط - اللوحة التجريدية حسب وصف همرشولد - بسيطة: فقد تألفت المنظمة على يد أشخاص من دول متعددة، لهم خلفيات وأهداف متباينة. والأمر المساوي في الأهمية هو أن مؤسسي الأمم المتحدة (ومصممي هيكلها) كانوا يواجهون المعضلة الأبدية: كيفية التوفيق بين المصالح القومية - الأمن القومي والرخاء القومي والقوانين الوطنية - والمصالح الدولية؛ أي الأمن الدولي والتنمية العالمية والعدالة الشاملة وحقوق الإنسان. وقد عكس الهيكل الموضوع هذه المعضلة، وهو أحد أسباب المحصلة النهائية: لوحة جزء منها تجريدي وجزء منها واقعي. (1) «أسرة» الأمم المتحدة
في عام 1945 كانت الأجهزة الستة الرئيسية للأمم المتحدة هي: الجمعية العامة، ومجلس الأمن ، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية، ومحكمة العدل الدولية، والأمانة العامة. وباستثناء مجلس الوصاية - الذي لم يعد له غرض بعد اكتمال عملية إنهاء الاستعمار التي أشرف عليها - لا تزال هذه الأجهزة تؤلف البناء الفوقي الأساسي للأمم المتحدة. تلتقي هذه الأجهزة جميعها على نحو منتظم، ويصوت أعضاؤها ويتخذون القرارات، ويصدرون الإعلانات، ويناقشون قضايا اليوم، ومع هذا فوظائف هذه الأجهزة تتباين تباينا كبيرا: فمع أن الجمعية العامة هي برلمان الأمم المتحدة ومجلس الأمن هو لجنتها التنفيذية، فإن الأمانة العامة هي الهيئة التشغيلية - الديوان - الذي يدير الأمم المتحدة.
ومع ذلك فإن «أسرة» الأمم المتحدة أكبر بكثير؛ إذ تضم خمس عشرة وكالة والعديد من البرامج والهيئات. بعض المنظمات - كمنظمة العمل الدولية - أسست خلال حقبة عصبة الأمم في العشرينيات، وقد أنشئ الكثير منذ عام 1945 لمواجهة مشكلات محددة طلب من الأمم المتحدة حلها، وقد جاء معظم هذه الزيادة - والتعقيد الناجم عنها للأمم المتحدة - كنتيجة للنمو السريع في عدد الدول الأعضاء التي ساهمت - في العقود التالية على تأسيس المنظمة - في زيادة المهام التي فوضت الأمم المتحدة للتعامل معها. ونتيجة لذلك، أضيفت هيئات وبرامج جديدة (ولا تزال تضاف) على أساس دوري. وهناك هيئات أخرى، كمفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين، قصد بها في البداية أن تكون مؤقتة، لكنها تحولت إلى أحد الأجهزة الدائمة. ومن الحتمي أن تتداخل اختصاصات بعض الهيئات مع البعض الآخر.
بالإضافة إلى كل هذا، للأمم المتحدة مجموعة مختلطة من «الهيئات الفرعية» والشركاء، فعلى امتداد تاريخها، ارتبطت الأمم المتحدة بحوالي ثلاثة آلاف منظمة غير حكومية. كان هذا التصور قائما بالفعل في عام 1945؛ إذ أقرت المادة 71 من ميثاق الأمم المتحدة صراحة أن للأمم المتحدة «أن تجري الترتيبات المناسبة للتشاور مع الهيئات غير الحكومية التي تعنى بالمسائل الداخلة في اختصاصها». من الناحية العملية، يعني هذا أنه في كل عام تعمل الأمم المتحدة مع مئات المنظمات غير الحكومية للتعهد بالمهام الإنسانية في مناطق الصراع في العالم؛ على سبيل المثال: بين عامي 1995 و2002، أشرفت بعثة الأمم المتحدة في البوسنة والهرسك على عملية بناء السلام التي تمر بها البلاد - وأهمها إرساء سيادة القانون - بعد المرور بحرب بغيضة. وخلال هذه الفترة اشتركت البعثة مع قرابة أربعين منظمة غير حكومية قدمت خبراتها في نطاق واسع من الاختصاصات يتراوح بين تطهير الأرض من الألغام وحماية البيئة.
وإضافة إلى التعاون مع العديد من بعثات الأمم المتحدة، تعمل المنظمات غير الحكومية كجماعات ضغط لدعم قضايا متعددة؛ على سبيل المثال: في عام 1997 أصدرت اثنتان وثلاثون منظمة غير حكومية خطابا مفتوحا «تحث» فيه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون على الضغط على حكومة السودان الممانعة للسماح بدخول قوة حفظ السلام المشتركة التابعة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة إلى إقليم دارفور الذي مزقه الصراع. يعطينا هذا المثال لمحة عن طريقة أخرى أجبرت الأمم المتحدة بها على نحو متزايد على الإقرار بقصور قدراتها وعقد التحالفات في أماكن أخرى. وتحديدا منذ التسعينيات، أوكلت الأمم المتحدة «من الباطن» مهام حفظ السلام إلى مؤسسات لا تنتمي إلى الأمم المتحدة (كمنظمات إقليمية كحلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأفريقي) أو حتى إلى شركات أمن خاصة. وفي عام 2001 كونت تلك الأخيرة منظمة غير حكومية خاصة بها تدعى رابطة عمليات السلام الدولية، التي تعمل كجماعة ضغط للعلاقات العامة للشركات التي كانت في أوقات سابقة يشار إليها بجماعات المرتزقة.
هذا التعقيد الإداري يعكس أيضا محاولة تشكيل منظمة قادرة على تجنب بعض المشكلات التي واجهتها عصبة الأمم من قبل، وقادرة على التكيف مع البيئة الدولية المتغيرة حسب الحاجة. كان لعصبة الأمم عدد من الأجهزة مشابه لتلك الخاصة بالأمم المتحدة؛ على سبيل المثال: كان هناك مجلس العصبة (وهو لجنة تنفيذية شبيهة بمجلس الأمن) وجمعية العصبة (المعادل التقريبي للجمعية العامة للأمم المتحدة)؛ أي إن هيكل الأمم المتحدة كان مبنيا على مزيج من الهياكل الموروثة، والتحديات الجديدة، والدروس التاريخية. (2) مجلس الأمن
Unknown page