Ulum al-Hadith wa Mustalah
علوم الحديث ومصطلحه
Publisher
دار العلم للملايين
Edition Number
الخامسة عشر
Publication Year
١٩٨٤ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
Genres
قَبِلْتُهَا وَلَمْ أُحَدِّثْكَ أَبَدًا، وَإِنْ شِئْتَ حَدَّثْتُكَ وَلَمْ أَقْبَلِ الْهَدِيَّةَ، فَقَالَ: لاَ تَقْبَلِ الهَدِيَّةَ وَحَدِّثْنِي، فَرَدَّ الْهَدِيَّةَ وَحَدَّثَهُ» (١). وتتَّخذ هذه الفكرة سبيلًا آخر إلى تقبيح المُتَاجِرِينَ بالحديث في مثل قول الإمام أحمد حِينَ سُئِلَ:
يُكْتَبُ عَمَّنْ يَبِيعُ الحَدِيثَ؟ فَقَدْ أَجَابَ: «لاَ، وَلاَ كَرَامَةَ» (٢)!.
ولعلَّ بائعي الحديث والمتاجرين به - رغم جشعهم الظاهر أَحْيَانًا - لم يكونوا دائمًا من الكَذَّابِينَ أَوْ الوَضَّاعِينَ: ولعلَّ كَثِيرًا منهم كانوا ثقات ضابطين، ولكنه المال يثني أعناق الرجال، وكانت لهؤلاء فلسفتهم الخاصة، فهم قد تَجَشَّمُوا المشاق وركبوا الأهوال ورحلوا في طلب الحديث، «لا يعوقهم فقر، ولا يفت في عزمهم صعوبة الطريق وأخطاره، سواء عليهم الصحراء وَحَرِّهَا، والبحار وأمواجها، إذ تغلغل في نفوسهم اعتقاد أنَّ طلب العلم جهاد، فمن مات في سبيله مات شهيدًا» (٣)، بينما كان سائر الآخذين عنهم قابعين في دورهم، آمنين في سربهم، فهم لا يريدون أنْ يكونوا سواء مع هؤلاء. ونحن لا نعدم في كتبنا الأمينة أخبارًا تشير إلى الأصول المنهجيَّة التي كان يَتَّبِعُهَا هؤلاء الرُواة في استقصاء الحديث النبوي، وهي أصول كانت تُكَبِّدُهُمْ من العناء الشيء الكثير، وهي لو قورنت بشيء في عصرنا الحديث لكانت أشبه بأساليب الناشرين الذين أصبحت أعمالهم وقفًا على البحث عن كنوز المخطوطات لنشرها
_________
(١) " الكفاية ": ص ١٥٣ كراهة أخذ الأجر على التحديث ومن قال: «لاَ يُسْمَعُ مِنْ فَاعِلِ [ذَلِكَ]».
(٢) " الكفاية ": ص ٥٤.
(٣) " ضُحى الإسلام ":٢/ ٧٢.
1 / 65