وسارت حميدة في الشارع تتأرجح على الكعب العالي، وذراعاها عاريتان، وفخذاها عاريتان، وعنقها عار حتى منتصف ثدييها، أصبحت تشبه سيدتها، ومرت بحذاء الشاويش (الاسم الشائع للشرطي في ذلك الوقت) فلم يقبض عليها، وتركها تمر أمامه مطرقا رأسه وخافضا عينيه ناحية الأرض (كان اسم هذه الحركة «غض البصر» أمام المحصنات من النساء، وقد تدرب عليها في سنوات الدراسة).
رفعت رأسها إلى فوق، وسارت بخطوات متأرجحة مهتزة، اهتزت كتفاها العاريتان وظهرت الكتف اليسرى أعلى من الكتف اليمنى، والثدي الأيسر أعلى من الثدي الأيمن (كان ذلك بسبب المحفظة المنتفخة المختفية تحت الثدي الأيسر)، واهتز الردفان أيضا، وأحدهما أعلى من الآخر.
ابتعدت عن الشرطي بضع خطوات وتحسست المحفظة، جلدها ناعم كاللعاب يجري فوق أصابع اليد بعد قضمه فطيرا بالسكر، وتيار من الدم الساخن يسري من ثديها الأيسر إلى بطنها وفخذيها وقدميها، ثم يصعد إلى رأسها وأذنيها وأنفها، ويهبط مرة أخرى إلى قلبها، في دورته العادية المتكررة، باعثا في الخلايا الساكنة حركة جديدة لها لذة.
حركت فكها العلوي فوق السفلي ومضغت اللذة، ذابت اللذة في اللعاب فابتلعتهما، اختلطت اللذة بالدم ودارت معه من الرأس إلى القدمين ومن القدمين إلى الرأس، وبدأ رأسها يدور، فأسندت ظهرها إلى عمود نور، وأسدلت جفنيها فوق عينيها، فأصبح الشارع مظلما، والسماء سوداء بغير قمر، سقط الضوء المستدير الأزرق فوق وجهها، عرفته على الفور (كان سيدها يطلي فوانيس عربته بطلاء أزرق حتى لا يراه أحد أثناء جولاته الليلية).
فتح بابه وهبط من العربة، ثم استدار حولها وفتح لها الباب، انتظر حتى دخلت وجلست، فأغلق الباب، ثم استدار مرة أخرى حول العربة حتى وصل إلى بابه، ففتحه ثم جلس وأغلق الباب (كان سيدها قد تدرب على هذه الحركة الدائرية في كلية الآداب).
انغرز كعبها العالي الرفيع في بساط سميك طري كالعجين فانخلع حذاؤها، وظهر كعباها المشققان فأخفتهما تحت الملاءة الحريرية، كان جسدها قد أصبح في وضع أفقي فوق شيء طري، أكثر طراوة من العجين، فارتخى ردفها المشدود العضلات (بسبب طول الوقوف وراء العمود)، وبدأ جسدها يغوص في العجين، القدمان، ثم الساقان، ثم الفخذان، ثم الصدر فالعنق، ولم يبق إلا الرأس بارزا فوق السطح.
بدأ الرأس يغوص بالتدريج، الذقن، ثم الفم، ثم الأنف، انعدم الهواء، فاتسعت عيناها السوداوان وملأهما الرعب، والرعب كائن عضوي من لحم ودم، تجسد أمامها على شكل مخلوق غريب مشوه، رأسه إنسان وجسده قرد، رأسه عار حليق أملس، وصدره غابة شعر وإليتاه كرأسه عاريتان ملساوان تشف بشرتهما عن لون الدم الأحمر كبشرة وجهه، وشفتاه حمراوان، منفرجتان، يظهر بينهما لسانه الطويل الحاد كنصل أبيض له حافة معدنية صلبة، وفي نهايته ثقب مظلم يكمن فيه الموت.
صرخت صرختها المكتومة غير المسموعة، وأسدلت جفنيها فوق الرعب ، زحف الرعب إلى حلقها (خلال القناة الدمعية التي تصل العين بالأنف) وتكور كالغصة، شدت عضلات حلقها وبصقته بكل قوتها فانبعثت من فمها وأنفها وأذنيها خيوط رفيعة كالنافورة.
ضحك سيدها في سعادة الأطفال، فقفز خده الممتلئ باللحم وسد عينيه تماما، أدركت أنه سينام بعد لحظة (كان السلام الملكي قد دق معلنا انتهاء الحفل الترفيهي)، وحينما ارتفع شخيره في الفضاء فتحت الأزرار الذهبية فوق صدره ورفعت المحفظة الجلدية الثقيلة الضاغطة على قلبه.
فتحت الباب بهدوء، وسارت على مهل بخطوات واثقة، فتحت باب سيارتها بمفتاح فضي لامع كمفتاح سيدتها، انزلقت العربة فوق الأسفلت الناعم كقارب رشيق يسبح، مرت بحذاء الشرطي الواقف على الرصيف منتصبا كعمود النور، فاهتز (كأنما به مس كهربي) وارتفعت سبابة يده اليمنى ولامست طرف أذنه اليسرى (حركة مقدسة في ذلك الوقت ترمز إلى حب الوطن).
Unknown page