Udaba Carab Fi Jahiliyya Wa Sadr Islam
أدباء العرب في الجاهلية وصدر الإسلام
Genres
وعجوا في سلاسلها الطوال
81
وقلما رأينا شاعرا جاهليا يخص قصيدة كاملة بالحكم والمواعظ، دون أن يتناول غرضا آخر أو عدة أغراض، ولا نستثني زهير بن أبي سلمى حكيم الشعراء، فإنه على شهرته في النصح والإرشاد، كان يبث الحكم أبياتا في مختلف أشعاره لا ينظمها مستقلة برأسها، وإن تكن معلقته حوت طائفة حسنة من آرائه الخلقية والاجتماعية. ونستثني عدي بن زيد فإنه قصر مجمهرته على تأديب النفس وإطراء الفضائل، فجاءت في مجموعها، تدعو إلى الخير والصلاح في اكتساب الصفات المحمودة ومعاملة الناس بالإحسان، ومنها قوله:
فنفسك فاحفظها من الغي والردى
متى تغوها يغو الذي بك يهتدي
ويضرب هذا المثل الجميل الذي يذكرنا بالمثل الفرنسي المأثور: «قل لي من تعاشر أقل لك من أنت»:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
وآراؤهم - في الجملة - فردية كأصحابها، فكل بيت مستقل بحكمته، لا يتصل بغيره إلا قليلا أو نادرا، ويغلب عليها الأسلوب الخطابي بما فيه من أمر ونهي وترغيب وترهيب، وضرب المثل السائر في البيت العائر. وربما اصطنعوا الأمثال القصصية يعظون بها وينصحون ويحذرون، وأكثرها أساطير اشتبهت فيها حقيقة التاريخ، وتبلورت بخيال يجنح إلى الإغراب، ولكنه لا يبلغ حد الإبداع، فجاءت قصصهم جافة في معظمها، قصيرة النفس لا يزيد أطولها على بضعة وعشرين بيتا، وتكاد تقتصر على الشعراء الذين سكنوا الحضر أو ترددوا في الأمصار كعدي بن زيد والنابغة والأعشى وأمية بن أبي الصلت؛ مما يدل على أن مخالطتهم لسكان الحواضر أكسبتهم ثقافة واطلاعا على أخبار الأمم والملوك، وما حيك حولها من الخرافات والأساطير. فعدي بن زيد أكثر من الاعتماد على الأمثال القصصية في قصائده، ولا سيما شعره الذي قاله وهو سجين، فكان ينظمها مسليا نفسه، متأسيا بما أصاب الشعوب الخالية من غير الأيام والليالي، أو ينظمها ليعظ بها النعمان أبا قابوس عارضا عليه صور الملوك الذين أذلهم الدهر بعد عزهم، فذهبوا ضحية الغفلة والغرور، أو ضحية الخيانة والغدر، وغيرهم من الذين اتعظوا قبل فوات الأوان، فتركوا الدنيا ليربحوا الآخرة. فمنها أسطورة النعمان السائح رب الخورنق والسدير، وأسطورة جذيمة الأبرش والزباء، وأسطورة صاحب الحضر وابنته وسابور. قال في أسطورة النعمان السائح يخاطب أبا قابوس:
وتذكر رب الخورنق إذ أش
Unknown page