Udaba Carab Fi Acsur Cabbasiyya
أدباء العرب في الأعصر العباسية
Genres
فهذه الروايات - على علاتها - تشهد لدعبل بما كان له من مكانة في عصره؛ فخبث لسانه، وعصبيته القحطانية، وتشيعه لأهل البيت جعل منه هجاء مسافها، وشاعرا قوميا، ومحاميا حزبيا؛ فمنزلته إذن قائمة على شعره الهجائي، ولا سيما السياسي منه. وهو يشبه بشارا بإقذاعه وفحشه، وسلاطته على الأعراض، ولكنه يفوقه خطرا لنسبته في خزاعة، وتشيعه للعلويين.
هوامش
الفصل الثالث
الكتاب المولدون
العصر الأول (1) ميزة النثر
لم يكن أثر امتزاج العرب بالأعاجم مقصورا على لغة الشعر وحدها، بل تعداها إلى لغة النثر؛ فجدد في ألفاظها ومعانيها، ونوع في فنونها وأغراضها، وذلل أوضاعها لمباحث ليس لها عهد بها؛ فبلغ الإنشاء العربي أرقى درجات الفن والبلاغة، وامتاز في سهولة العبارة، ووضوح المعنى، وحسن تخير الألفاظ وتزيينها، وذاع التسجيع القصير الفقرات، فتكلفه المترسلون تكلفا، وقصدوا إليه قصدا، ولكنهم لم يلتزموه التزاما، ولا أنزلوه منزل السخف والإسفاف.
وليس تزيين اللفظ من مواليد هذا العصر، بل هو خدن الآداب العربية من أبعد عصورها. ولنا في إنشاء القرآن شاهد على ذلك، والقرآن أصدق صورة نتعرف بها طراز الإنشاء القديم، ولكن التزيين في القرآن وفي رسائل الإسلاميين وخطبهم خال من التصنع، جار مع الطبع؛ فقد تجد السجع والموازنة، وضروب الاستعارات والتشابيه، وأنواع البديع دون أن تشعر بالتكلف لها ، والتعمل في اصطناعها، وإنما تبدو لك نازلة في منازلها، ملبية داعي الحاجة إليها، لا مضطربة ولا متقلقلة.
وعلى الجملة فإن كتاب العصر الأول العباسي وما يليه كانوا جد مقتصدين في تنميق ألفاظهم وتحسينها، يتعمدونه ولا يرون إلى الإسراف فيه سبيلا، وإنما هم يريدون تأدية المعنى الجميل في القالب الجميل، فإذا نمقوا فخدمة وإيضاحا للمعنى الذي يقصدون؛ لذلك لم تكن المحسنات اللفظية من لزومياتهم، بل كانت أكثر شيوعا في الشعر منها في النثر، فعرفوا بتنويع العبارة وتشكيلها، فمنها المسجعة ومنها المرسلة، ومنها الحالية ومنها العارية، ومنها الطويلة ومنها القصيرة، ومنها المردفة ومنها المفردة. وغلب عليهم الإطناب فأمعنوا فيه، ولم يسلموا من الإملال، وجعلوا للإيجاز مقاما، ولكنهم لم يسلموا من الإخلال.
وأكثروا من استعمال الألفاظ الدخيلة؛ فغلبت الفارسية على الأشياء المادية من أسباب العمران، كأدوات المنزل وأثاثه، والملابس والرياش، والحلي والأطعمة، والأشجار والأزهار، والصيد والقنص، وآلات الغناء والطرب، وغير ذلك. وغلبت اليونانية على العلوم العقلية كالفلسفة والطب والرياضيات وعلم الفلك ونحوها. (2) لغة التخاطب
هذا في النثر الفني، وأما لغة التخاطب فإنه أخذ يدب فيها الفساد منذ العصر الأموي؛ بسبب اختلاط العرب بالأعاجم وتزاوجهم، ونشوء جيل جديد غير صافي العروبة؛ ففشا اللحن على أفواه العامة، وفسدت مخارج الحروف، وذاعت اللكنة والرطانة، فأصبح زياد ابن أبيه - وهو من علمت فصاحته - يستمع إلى مولى له يخاطبه بقوله: «أهدي إلينا همار وهش» يريد حمار وحش. ولم يقتصر فساد اللفظ على العامة، بل تعداها إلى الخاصة، فأبو عطاء السندي كان من مجيدي الشعراء، ولكنه لا يحسن إخراج الحروف، فإذا سئل: «كيف بصرك باللغز يا أبا عطاف؟» قال: «هسن.» وإذا ألغزوا له بجرادة وزج وشيطان حل ألغازهم، ولكنه يقول: «زرادة، وزز، وسيتان.» ورووا عن بشر بن مروان أنه قال - وعنده عمر بن عبد العزيز - لغلام له: «ادع لي صالحا.» فقال الغلام: «يا صالحا.» فقال له بشر: «ألق منها ألف.» فقال له عمر: «وأنت زد في ألفك ألفا.» ورووا أن أول لحن سمع بالبادية: «هذه عصاتي.»
Unknown page