Udaba Carab Fi Acsur Cabbasiyya
أدباء العرب في الأعصر العباسية
Genres
ورووا أنه رآها مرة في مأتم تندب وتلطم، فقال:
لا زال موتا دأب أصحابه
وذاك أن أبصره دابي
72
فلو كان يحبها حقيقة لما تمنى تتابع الوفيات في أهلها وأصحابها؛ ليراها أبدا سافرة لاطمة نادبة، فهذا حب وحشي يجعل صاحبه يتلذذ بألم محبوبه، ولم يكن أبو نواس كذلك مع من يحب.
وفي «الأغاني» رواية عن بعض آل ثقيف يكذب فيها حب أبي نواس لجنان يقول: «إن ذلك لم يكن إلا عبثا خرج منه.» وهذا ما نعتقده؛ فإن الشاعر لم يخلص في حبه لجارية ثقيف؛ لأن نفسه الفاسقة صرفته عن الحب الصحيح، ولم يصاحب الإماء والجواري إلا للهو والعبث، فلم يحظ عندهن لعلمهن بأمره، وقد تغزل بهن كثيرا؛ فكان هذا الغزل ضعيف العاطفة، متكلفا في أكثره، ولا سيما العفيف منه.
والغزل العفيف قليل في شعر أبي نواس، وبعضه جميل لبراعة فنه، وبعضه الآخر ضعيف ظاهر التكلف.
مدحه
لأبي نواس في المدح لغة غير اللغة التي يتحدث بها إلى الغلمان والإماء في الخمر والمجون والغزل، فإذا رأيت الطبع والسهولة والرقة في تلك فستلقى الرصانة وتخير الألفاظ، وتكلف الغريب في هذه، فهو - في عبثه - يحادث الطبقة العامة على الأخص، فيفرغ معانيه في قالب لطيف لا يعسر فهمه؛ فيحفظه الناس ويتغنى به القيان والمغنون. وأما في مدحه فيتحدث إلى طبقة خاصة تتألف من الخلفاء والأمراء وهؤلاء يؤثرون اللغة الشريفة بلفظها الرصين وأسلوبها القديم، فكان شاعرنا يجاري أهواءهم، ويغتنم من ذلك فرصة ليرى أصحاب اللغة براعته في معرفة الغريب، واطلاعه على مذاهب العرب العرباء، فإذا هو كالشاعر الجاهلي يقف على الديار، ويذكر الأحبة، ويصف ناقته حتى يتخلص إلى ممدوحه فيسبغ عليه حلل الثناء.
فإذا أنت قرأت هذا الشعر، ورأيت ما فيه من جزالة وشدة أسر، أنكرت أن يكون أبو نواس صاحبه بعد أن عرفت الرقة والسهولة في خمرياته وغزله، فأبو نواس في مدحه محافظ أكثر منه مجددا، متكلف مقلد على كره منه، مغال أحيانا حتى يبلغ حد الإحالة، وتكاد شخصيته لا تبين في بعض مدائحه لولا خاطرات منثورة يلمحها الناقد البصير.
Unknown page