Udaba Carab Fi Acsur Cabbasiyya
أدباء العرب في الأعصر العباسية
Genres
71
لهاجرا إليه، ولعكفا عليه.» وحتى إن أصحابه سجدوا لشعره عندما أنشدهم: لا تبك ليلى ولا تطرب إلى هند
وخمرياته أصدق صورة لنفسه الخالعة الرسن، وللروح البغدادية الماجنة في عصره.
غزله
لأبي نواس غزل كثير، فيه من المجون والصراحة ما يصور حقيقة هذا الشاعر المتهتك، وكان أصدق عاطفة في غزل المذكر منه في غزل المؤنث؛ لقلة اعتداده بالنساء، وقد حاول بعض أهله أن يزوجوه ليردوه عن غوايته فأبى، وقيل إنه تزوج جارية من أهل بيته، ولكنه ما أمسى حتى طلقها، ومن كانت هذه حاله فلا بدع أن تضعف فيه عاطفة الغزل في النساء.
ولكنه عاشر بعض الإماء، وشبب بهن لا لأنه أحب واحدة منهن حبا صادقا، بل لأنهن كن غير مصونات لا يتحرجن من مجالسة الخلعاء على الشراب، وكن إلى ذلك يصلحن للمنادمة؛ لبراعتهن في الشعر والرواية والغناء، فأبو نواس لم يعرف من الحب غير إشباع شهواته، فصدف عن الحرائر المتحصنات، وقنع منهن بالمبتذلات، وكان يؤثر الغلاميات على غيرهن، وهن الجواري اللواتي كن يتزيين بزي الغلمان، وكثيرا ما ذكرهن في شعره، ووصف أشكالهن وأزياءهن.
وقيل إنه أحب جنان جارية آل عبد الوهاب الثقفي، وكانت جميلة المنظر، أديبة ظريفة، تعرف الأخبار، وتروي الأشعار، ولما حجت حج معها ليجمعه وإياها المسير، واشتهر شعره بها؛ فعرفت مولاتها فبعثت إليه: «إن أردت وهبتها لك.» فأخبرت جنان بذلك فرضيت، ولكنها اشترطت عليه أن يقلع عن فجوره وقبح سيرته؛ فأبى ولم يضمن لها هذا الشرط، فحرم محبتها كما حرم محبة عنان جارية الناطفي، وغيرهما من ظرائف الإماء، وهذا يدلنا على أن حبه لجنان لم يكن صادقا وقويا كما تصوره بعض الرواة، وإنما كان يؤثرها على غيرها من الولائد، حتى إذا هجرته لم يؤلمه هجرها، ورجت منه مرة أن ينقطع عن زيارتها لتكف ألسنة الناس عنها؛ فعمد إلى نكايتها وتشهيرها، فقال:
يا معشر الناس فاسمعوه وعوا:
إن جنانا صديقة الحسن
وروى صاحب «الأغاني» أن أبا نواس رآها مرة في ديار ثقيف فجبهته بما كره فغضب وهجرها مدة؛ فأرسلت إليه رسولا تصالحه فرده ولم يصالحها، فلو صدق حبه لها لما تأبى مصالحتها وأعرض عنها.
Unknown page