Udaba Carab Fi Acsur Cabbasiyya
أدباء العرب في الأعصر العباسية
Genres
وكان له من شراهته وحرمانه ما ضاعف نهمته إلى المآدب. وأوتي معدة خبيثة لا تشبع ولا ترتوي. ولم يخطئ نعتها إذ قال فيها متلهفا على أكلة:
لهفي عليها وأنا الزعيم
بمعدة شيطانها رجيم
47
ولهذا أكثر من ذكر أنواع الطعام والشراب. وهو أول شاعر - فيما نعهد - عني بوصف السمك والفراريج والبيض والقطائف والزلابية والمشمش والموز والعنب وغير ذلك من المآكل.
وهو لدقة إحساسه قوي الشعور بالشيء يستكرهه، كما أنه قوي الشعور بالشيء يستحسنه. وكان له من تطيره وضعف عقله ما جعله يكره أو يتخوف الأشياء التي يجفو عنها طبعه، ولا يستاغها ذوقه ومزاجه، فيهجوها ويصفها فعله بالأحدب وصاحب اللحية الطويلة، وسفر البر والبحر، والقينة شنطف، والمغني دبس لأنه استقبح صوتهما. وفعله بنفسه بعد أن شاب، وضعفت قواه، وشحب لونه، فقد أكثر من وصف مشيبه والبكاء على شبابه؛ لأنه فقد بهما لذة الحياة.
وضيق ذات يده جعله يستفيض في وصف فاقته. وقد جره فقره إلى حسد الأغنياء، فهجاهم ووصف ترفهم كما في قصيدته التي هجا بها الكتاب المتنعمين بأموال الدولة.
وتنكر له الناس، وعبثوا به، فحقد عليهم، ورأى الخير في الحقد فمدحه وبين منافعه. وهجا الناس، ومزق أعراضهم، فحقدوا عليه، فرأى الشر في الحقد، فذمه وأظهر مساوئه وأضراره. وصور أخلاق الحقود أدق تصوير.
وكان له من حياة الزهاد تعزية وسلوى في حرمانه، وتوالي الخطوب عليه، فوصف معيشتهم وتعبدهم ولكن نفسه التي استعبدتها الشهوات لم تكن لترتاح إلى حياة المتزهدين، فتتنسك مثلهم.
ولزم بغداد فما استطاع البعد عنها إلا غرارا، فإذا فارقها حن إليها، وصور ذكرياته فيها أبدع تصوير:
Unknown page