Udaba Carab Fi Acsur Cabbasiyya

Butrus Bustani d. 1300 AH
148

Udaba Carab Fi Acsur Cabbasiyya

أدباء العرب في الأعصر العباسية

Genres

فإنه حرض الخليفة على قتله واستصفاء أمواله، وفي ذلك يقول:

والرأي كل الرأي في قتله

بالسيف واستصفاء أمواله

فهذه الأخبار المتناقضة تجعلنا في حيرة من أمر هذا الرجل فنقف موقف الشك بين خيانته ووفائه، لا نقطع بأنه خئون، ولا نقطع بأنه وفي. غير أننا نرجح الجانب الأول؛ ذلك أن البحتري لم يخلص للمتوكل والفتح ابن خاقان ولم يذكرهما بخير بعد موتهما إلا لأنه فقد بهما جنته في الحياة الدنيا، فقد كان يرتع في جنابيهما في بحبوحة من العيش الخضيل، فلما هلكا وأحس بنجم سعوده يغور في إثرهما صرخ صراخ اليائس المستميت، وبكى على حظه في رثائه للمتوكل، ولم يفطن إلى أنه قد عرض بنفسه إلى التهلكة في شتمه المنتصر. ولكنه ما ثاب إلى رشده حتى صمت واعتصم بالتقية، ثم سعى إلى استرضاء الخليفة الجديد. غير أنه لبث يذكر المتوكل والفتح في كل سانحة وبارحة؛ لأنه لم يجد بعدهما خليفة ولا وزيرا يملأ الفراغ الذي أحدثاه في نفسه. ومدح بعدهما طائفة من الخلفاء والأمراء وتكسب منهم دون أن يخلص الولاء لأحدهم؛ لأنه كان يتوقع أبدا تبدل الولاة والملوك، فصاحبهم على دخل يمدحهم في عزهم، ويتنكر لهم في نكبتهم، وهو إنما يماشي زمانه في ذلك. وقد وجد في زمن قل فيه الوفاء وكثر الغدر والرياء. والزمان كأهله وأهله كما ترى.

وليس وفاؤه لأبي سعيد وابنه إلا لأنهما من طيء وكانا يعطفان عليه، ويحسنان صلته، فأحبهما حب النسيب لنسيبه، وحب المنتفع لمن ينتفع منه؛ فمدحهما وتعصب لهما، ورثاهما أحسن رثاء. وأما وفاؤه لأبي تمام فوفاء التلميذ لأستاذه والقريب لقريبه. ولكن لا نجد له قصيدة في رثائه تظهر قيمة هذا الوفاء إلا بعض أبيات رثى بها دعبلا وذكره فيها معه.

وفي البحتري خاصة ظاهرة في شعره وهي حب الوطن، فإنه كثيرا ما يحن إلى منبج وحلب، ويحسب نفسه غريبا في العراق، مع أن شهرته لم تقم إلا فيه، وثروته لم تجمع إلا هناك.

وكان يتعصب لليمن عموما ولطيء خصوصا، ولكنه لم يكن مفرطا في تعصبه، وربما لمحت فيه شيئا من التعاجم؛ لأنه كان مفتونا بحضارة الفرس، ولأنه وجد في عصر كانت السيادة فيه للموالي لا للعرب، فضعفت فيه العصبية كما ضعفت في كثيرين من أمثاله.

على أنه كان شديد التعصب للإسلام، وربما نزع إلى التشيع فتسمعه يمدح الطالبيين، ويهجو علي بن الجهم لتعرضه لهم بالهجاء. ولكنه كان يتحفظ ولا يسرف في إظهار تشيعه، وخصوصا في عهد المتوكل، فإنه لما جاء العراق أراد أن يتكنى بأبي الحسن بدلا من أبي عبادة ليتشبه بعلماء الشيعة، فرأى من المتوكل كرها شديدا للعلويين فعدل إلى كنيته الأولى، وكتم تشيعه، أو تركه، ولكنه لم يقل هجرا في الطالبيين.

آثاره

ديوان شعر أكثره في المدح، وأقله في الهجاء والرثاء. وفي مدحه غزل كثير، ووصف مختلف الوجوه والأنواع. وبقي شعر البحتري متفرقا حتى جمعه أبو بكر الصولي، ورتبه على الحروف. وجمعه علي بن حمزة الأصفهاني ورتبه على الأنواع. وشرحه أبو العلاء المعري، وسماه عبث الوليد . وطبع هذا الديوان بالأستانة في جزءين كبيرين، ثم طبع في بيروت مشكولا، ومشروحا بعض ألفاظه. وكلتا الطبعتين لا ترتيب فيهما، وليس لهما فهرست تعرف به القوافي، وفيهما قصائد مكررة لم ينتبه إليها من جمعها.

Unknown page