ولم يكتف الجنود بتلك الأعمال الوحشية، بل أرادوا المس بدين التونسيين وإهانته، فدخلوا مسجد القرية من بابه الرئيسي ومن الباب الخلفي، ومزقوا مصاحف القرآن وبعض كتب الحديث الشريف والفقه الإسلامي، وكانت آثار هذا الانتهاك للمقدسات واضحة بينة لما زارت البعثة الوزارية التونسية قرية تازركة.
بينما كان الجنود الفرنسيون يقومون بتلك العمليات الوحشية، كان رجال القرية محشورين في الميدان العام مهددين طوال اليوم، وعند المساء سيقوا إلى بيت محمد بن سعيد حيث اعتقلوا الليلة كلها تحت الحراسة المسلحة، وكانوا يسمعون إلى الصباح - دون أن يستطيعوا حراكا - صراخ نسائهم اللواتي يتصارعن مع الجنود، كما كانوا يسمعون الأبواب تتفتح ودوي الطلقات النارية.
وقد أظهرت بعض النسوة من الشجاعة ورباطة الجأش ما جعلهن مثالا للرجال الوطنيين أنفسهم، فاشتهرت من بينهن الآنسة صلوحة بنت محمد درويش التي أصبحت بطلة تازركة ومثالا للوطنيات التونسيات؛ فقد دافعت عن بيت أبيها لما اقتحمها العساكر وأخرجتهم منه، فرجعوا في عدد أوفر وتجددت المعركة وهي كاللبؤة دفاعا واستماتة، فانهال عليها الجنود ضربا وهي ترجع الضربة بأختها، ولم يتغلبوا عليها إلا بعد أن استخدموا الحراب، فطعنوها عدة طعنات بقيت جروحها بينة في جسدها، وظنوها ماتت، فغادروا المنزل.
وكانت في الوقت نفسه تجري معركة محتدة في بيت الصادق بن سعيد ، فقد ناضلت فاطمة بنت محمد نضالا مريرا لانتشال ابنتها من يدي أحد الجنود الذي كان يريد اغتصابها، وحمت ابنتها بصدرها فانهال عليها الجندي ضربا بكعب حذائه، وبقيت آثار هذا الضرب على جسمها، ولكنها رغم ما لحقها من الضر لم تستسلم، فجن جنون الجندي، فاعتدى على الجدة التي كانت تستغيث وضربها ونهب منها بعض متاعها.
وكان التنكيل بالتونسيين يرمي إلى إذايتهم إذاية عميقة والمس بتقاليدهم وروحانياتهم؛ ولذا أطلقت يد الجنود في تلك الليلة على النساء عند غياب رجالهن، علما من المستعمر أن كل امرأة مسلمة تنتهك حرمتها تصاب بعار لا يمحوه الدهر، وتصبح كأنها منبوذة من المجتمع. ويحدث دائما أن زوجها ينفصل عنها وعن أهلها ويضمر لها البغض والكراهية، فلم تكتف العساكر الفرنسية بالتخريب والنهب، بل اعتدت على شرف التونسيات وكرامتهن، وكان التحقيق في هذا الأمر دقيقا صعبا، وقد استعملت الدكتورة الآنسة غيلب والقابلة السيدة بدرة الورتاني كثيرا من اللباقة للحصول على بعض المعلومات.
وهذه بعض الفقرات من تقريرهما:
ج. ب بنت: سنها 21 سنة، اغتصبت وعاينا آثار رض على فخذيها من الداخل، وقد تناوب عليها ثلاثة جنود.
ب. بنت س: سنها 25 سنة، كانت حاملا في شهرها الثالث، تتبعها الجنود وضربوها وأجهضوها.
ه. بنت س. ب: سنها 25 سنة، نزعت ملابسها واغتصبت بينما كان السلاح مصوبا نحو عنقها.
م. بنت ك. ج. ا: سنها 16 سنة، انتشلت من فراشها، وعندما هددها الجند بالاغتصاب فرت هاربة وألقت بنفسها في بئر انتشلت منه فيما بعد.
Unknown page