وهذا في حكم المغير وإن كان بينهما تداخل بحسب ما اجتنباه من نقل الأئمة ﵃. واختلف في العدالة هل هي شرط في صفة المغير أو لا. فاعتبر قوم شرطيتها ورأوا أن الفاسق لا يغير وأبى من اعتبارها آخرون. وذلك الصحيح المشهور عند أهل العلم لأن ذلك من الشروط الواجبة على الشخص في رقبته كالصلاة فلا يسقطه الفسق كما لا يسقط وجوب الصلاة التعلق التكليف بأمر الشرع قال ﵇: من رأى منكرًا فلغيره وليس كونه فاسقًا أو ممن يفعل ذلك المنكر بعينه يخرجه عن خطاب التغيير لأن طريق الفرضية متغاير. قال أنس بن مال رضه: قلت يا رسول الله لا تأمر بالمعروف حتى نعمل به كله ولا ننهى عن المنكر حتى نعمل به كله. قال بلى مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كله وانهوا عن المنكر وإن لم تجتنبوه كله. وقال الحسن البصري رضه: يريد أن لا يظفر الشيطان منكم بهذه الخصلة وهي لا تأمروا بالمعروف حتى تأتوا به كله. قال الغزالي رضه: يعني أن هذا يؤدي إلى حسم باب الحسبة فمن ذلك يعصم عن المعاصي. ويروى عن سعيد ابن جبير رضه أنه قال: إن لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر إلا من لم يكن فيه شيء لم يأمر أحد بشيء. وأعجب ذلك مالكًا من قول سعيد وإنما ينبغي لمن يغير منكرا على غيره أن يفتتح أولا بنفسه ويكون أمرها في ذلك من أهم أموره وبداية نظره. وكذلك جميع من لزم تعلقه به من أهله ورفيقه وحاشيته. فإن أوجب الناس حقًا على المكلف العاقل نفسه ثم حاشيته لتنبيهه ﷺ ذلك بقوله: إبدأ بنفسك ثم بمن تقول وكذلك أمره تعالى له ﵇ في قراءته خصوصا وتوكيدا بقوله: ﴿وانظر عشيرتك الأقربين﴾ فالعاقل من ابتدأ بالنظر لنفسه وعم أهل حبه وأنسه فلا يأمر يمعروف إلا أتاه ولايته عن منكر إلا تجنبه ووقاه وليتنح عن أن يكون طالبا في صلاح غيره باخلا بالخير على نفسه فتلك تجارة خاسرة * وقدم في محل الحق عاثرة * فحيثما نكد عن حساب قلبه واشتغل بالأخذ على غيره فقد استحق وصف المقت عند الله إذ يقول جل من قائل ﴿كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون﴾ وقال سبحانه ﴿أتأمرن الناس بالبر وتنسون أنفسكم﴾ وقال أسامة بن زيد: سمعت رسول الله ﷺ يقول: يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق فيها أقتاب بطنه فيدور فيها كما يدرو الحمار برحاه فيجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ما لك لم تكن تأمر بالمعروف وتنهى المنكر فيقول كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه فناهيك بهذا تبابا وإبعادا حتى أظهر قباحة هذا النوع شاعر القوم حيث يقول:
1 / 8