وقال قوله ثلاث لا معنى له لأنه لم يطلق ثلاث مرات وإنما يصح في قوله ثلاثا إذا كان مخبرا عما مضى فيقول طلقت ثلاثا يخبر عن ثلاثة أفعال كانت منه في ثلاثة أوقات كرجل قال قرأت أمس سورة كذا ثلاث مرات فذلك يصح ولو قرأها مرة واحدة فقال قرأتها ثلاثا كان كذبا وكذلك لو حلف بالله ثلاثا لم يكن حلف إلا يمينا واحدة والطلاق مثله.
قلت: ورأيت مثل هذا الاحتجاج المنقول عن ابن عباس لأثير الدين أبي حيان وعلى ظني أنه لم يعثر على ما تقدم ذلك لأحد قبله لأنه قال ما زال يختلج في خاطري أنه لو قال أنت طالق مرتين أو ثلاثا أنه لا يقع إلا واحدة لأنه مصدر لا طلاق ويقتضي العدد فلابد أن يكون الفعل الذي هو عامل فيه يتكرر وجودا كما تقول ضربت ضربتين أو ثلاث ضربات لأن المصدر مبين لعدد الفعل فمتى لم يتكرر وجودا استحال أن يتكرر مصدره دون تبيين رتب العدد.
فإذا قال أنت طالق ثلاثا فهنا اللفظ واحد والواحد يستحيل أن يكون ثلاثا أو اثنين ونظيره أن ينشئ الإنسان بيعا بينه وبين رجل في شيء ثم يقول له عند التخاطب بعتك هذا ثلاثا فقوله ثلاثا لغو غير مطابق لما قبله والإنشاءات يستحيل فيها التكرار حتى يصير المحل قابلا لذلك الإنشاء انتهى كلام أبي حيان.
ثم قال صاحب المقنع بعد نقل كلام ابن عباس وقال مثله الزبير بن العوام وعبد الرحمن ابن عوف روينا ذلك كله عن ابن وضاح وبه قال ن شيوخ قرطبة ابن زنباع شيخ هدى ومد بن بقي بن مخلد ومجد بن عبد السلام الخشني فقيه عصره وأصبغ بن الحباب وجماعة من فقهاء قرطبة سواهم. وكان من حجة ابن عباس أن الله تعالى قرن في كتابه العزيز لفظ الطلاق فقال عز وجهه ﴿الطلاق مرتان﴾ يريد أكثر الطلاق الذي يمكن بعده الإمساك بالمعروف وهو الرجعة في العدة ومعنى قوله: ﴿أو تسريح بإحسان﴾ يريد تركها بلا ارتجاع حتى تنقضي عدتها. وفي ذلك إحسان إليه وإليها إن وقع ندم منهما قال الله تعالى: ﴿لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا﴾ يريد الندم على الفرقة والرغبة في الرجعة. وموقع الثالثة غير محسن لأنه ترك المندوحة التي وسع الله بها ونبه عليها فذكر الله تعالى للطلاق معرفا يدل أنه إذا جمع أنه لفظ واحد فتدبره فتأمل بنظرك وأجد استعمال فكرك هل يحسن أو يجمل أن يكون من
1 / 61