من أعظم المناكر الحلف بغير أسماء الله تعالى وصفاته
وإذ قد أتينا على ما استطعنا نقله من حقوق المساجد وما يجب تغييره من مناكرها فلنرجع إلى التكلم في منكرات غير المساجد. فمن أعظمها ما يتكرر ترداده في الألسنة ويشيع التخاطب به إما في معذرة أو موجدة من الحلف بغير أسماء الله تعالى لأن الله سبحانه لم يأذن للحالف في الحلف إلا باسمه الكريم فقال: ﴿وأقسموا بالله جهد أيمانهم﴾ وقال: ﴿فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله﴾ وقال: ﴿فيقسمان بالله﴾ وقال لنبيه ﵇ على جهة التعليم والتشريع ﴿قل أي وربي إنه لحق﴾ وقال: ﴿قل بلى وربي لتأتينكم﴾ وفي الآية الأخرى: ﴿قل بلى وربي لتبعثن﴾ وكان ﷺ كثيرًا ما يقول: والذي نفسي بيده لا ومقلب القلوب.
فالحلف بالله وبأسمائه وصفاته ينحل بالمشيئة وبالكفارة بعد الحنث لكونه مأذونا فيه ما لم يكن غموسا وإن كان لغوا فلا شيء فيه والحلف بغير أسماء الله تعالى لا ينحل بكفارة ولا مشيئة بالله ما لم يحلف بمشيئة مخلوق لأنه غير مأذون فيه والوقوع فيه ابتداء محظور. قال صلعم: لا تحلفوا بالطلاق ولا بالعتاق فإنها من أيمان الفساق. وقال: من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت. فإن وقع ونزل لزم اتفاقًا لقوله سبحانه: ﴿يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود﴾.
والحالف بالطلاق قد عقد على نفسه طلاقا بشرط فيلزم مع وجود ذلك الشرط لكنه محظور الإيقاع ابتداء لما ينشأ عنه من مفسدة الحنث نفسه فإنه قد يقع فيه من اعتاد الحلف بذلك من غير شعور به فيكون في سخط الله وشديد مقته في حل عصمة أهله وما ينشأ معها من ذريته ونسله ومن مفسدة لازم الحنث مع تحققه إذ قد تكون المرأة حينئذ حائضا أو نفساء فيقع في محذور آخر فكان أن حسم هذا الباب بتغيير منكرها بالأدب والزجر من اللازم للحكام على حسب ما يقع منه من الإكثار والإقلال أو ما يعرف منه من توق أو إجلال.
قال الشيخ في رسالته ويؤدب من حلف بطلاق أو عتاق ويلزمه ووقع في العتبية من سماع ابن القاسم قال وسئل مالك عن الأدب للناس في (حلفهم) بالطلاق فقال لقد سألني
1 / 58