فقال لي قررنا على القول بالجواز فكم من مباح تركه صلعم ورعا واستقلالا من الدنيا في مأكله وملبسه ومسكنه ومصلاه الذي به يصلي. وقد ورد عليه مال البحرين الذي لم ير المسلمون حينئذ أكثر منه ورددت في بعض ذخائر كسرى وقيصر وحمل منه العباس رضه عدته التي وعده الله بها في قوله ﴿يؤتكم خيرا مما أخذ منكم﴾ فحمل من المال ما قويت طاقته على حمله وحمل من التوسع في الدنيا هذا الذي حصل ولم يجعل من ذلك صلعم من تزويق المسجد ولا توشيته فلو كان ذلك من القربة المرغب في فعلها تعظيما لما تركه حتى توفاه الله صلعم فأمسكت عن مراجعته خشية من تحريك داعية المرض وزيادته بإثارة البحث ومناولة الكلام. وإلا فالظاهر من فعل أمر المؤمنين عثمان بن عفان رضه وعمر بن عبد العزيز ذلك ولا نكير من الصحابة والتابعين أن ذلك جائز. ولو ادعى مدع أن ذلك إجماع سكوتي لم يفند. وثبت عن سليمان ﵇ أنه بنى بيت المقدس وبالغ في تزيينه ولم يزل كذلك حتى الآن وذكر بعض ساكنيه أن ما به من التزيين في هذه الملة من فعل عمر بن الخطاب رضه وعلى القول بالجواز اعتمد الناس في تزخرف المساجد وتزويقها.
الحصباء بالمسجد
وفي المدونة يكره له أن يحمل حصباء من موضع الظل لموضع الشمس يسجد عليها لأنه يحفر المسجد وأما لو خرج به ففي سماع أشهب وابن نافع من خرج منه بحصباء بيده نسيها أو تعلقت بنعله إن ردها فحسن وما ذاك عليه. ابن رشد لأنه أمر غالب لا ضرر فيه على المسجد فلم يلزم رده إليه كما أن ما يبقى بين أسنان الصائم من الطعام إذا ابتلعه بالنهار مع ريقه لم يجب عليه قضاء لأنه أمر غالب هـ.
وأما لو حملها قصدا فلا يجوز لأنه نقل الحبس عن محله. وفي شرح التهذيب للزناتي أن رجلا حمل حصباء من مكة وأتى بها للمغرب فكانت بالليل تصوت حتى منعت النوم فقيل له ردها إلى موضعها وحينئذ تنام فردها إلى موضعها أو بعثها فحينئذ نام. قلت وكان يتقدم لنا في مجلس شيخنا أن من حمل حصباء من الأماكن المشرفة ورد إلى محلها في الوقت أخرى فإنه لا حرج عليه في نقل التي حمل لوجود العوض كما أن من استهلك وقفا فإنما مثله ولو كان من المقومات كالبناء ونحوه ما لم يكن مما لا عوض له لتعلق الفضل بعينه كالحجر الأسود وكقواعد البيت فلا يسوغ ذلك.
1 / 55