أو يقول سمعت فيك كذا ولم يعين قائله وليس لقوله ذلك أصل في النصيحة وإنما يريد إدخال مكرب على المقول له بنميمة لا حقيقة لها وغيبة قلبية قد تخرصها فبهته بإعلامه بها.
وذلك لا يرد إلا من متفجر قبيح خبيث الباطن وهو محرم باتفاق وإنما هو رهين فيها قال إن لم يبين القول من زعم أنه قال هو مأخوذ بما يلزم عنه إن حدا فحدا وإن عقوبة فعقوبة.
قلت وقد وقع لي مثل ذلك ذات يوم حضر محاورة فاضل مع فاسق اتحقق أنا وغيره سوء باطنه في شأنه وأنه يريده بما يكافئه عليه الله الذي ينصر المظلوم ويرد بأس الغشوم وهو ممن ينتمي لطلب العلم وهو بطلب الشر أولى به من طلب الخير قال سمعت فيك قول كذا وكذا وأنا جئت ناصحًا. فقلت مجيبًا له: لم ينته لفؤادك والله أعلم حكم ما يلزم القائل مثل قولك على طريق الإخبار عن مقول الغر فأطلعته على ما في المدونة في كتاب الرجم وما حكى اللخمي عن ابن القاسم في تبصرته وابن أبي زيد في نوادره وابن رشد في بيانه. أنه إن لم يثبت المقالة على قائلها. فلا اختلاف أنه يحد حد الفرية. فإن أثبتها على وجه الرسالة بها فقل يحدان جميعا. وقيل لا يحد إلا المرسل وأعلمته بحقيقة النصيحة وخروجها عن خبث طريقته. فبهت الفاجر ولكن أمن مكر الله في نيل العقوبة ذلك الخاسر. قال الشيخ شهاب الدين القرافي: إلا أنه يستثني من ذلك سلامة الباطن ما كان تحذيرا من قتل أو أخذ مال تقوم قرائنه على المبلغ عنه فيكون سبيله سبيل النصيحة ولو لم يكن باسترشاد من أديت إليه النصيحة لأن حماية مال الإنسان ودمه بما أمكن واجب.
اعرف الفرق بين المداهنة والمداراة
ثم الفرق بين المداهنة والمداراة أن المداهنة حقيقتها بذل الدين بالدنيا والمداراة حقيقتها بذل الدنيا بالدنيا.
فالأولى كما يقع من إطراء الظلمة بمدحهم بوجوه المدح وتحسين أفعالهم وأقوالهم بالتماس المخارج الحسنة لهم والتأويلات البعيدة مع تحقيق المداهن لاستقباح ما لهم عليه. بواجب الإنصاف وطريق الحق وليس له ما يحمله على ذلك سوى ما يناله من دنياهم فقد باع دينه بتغريرهم على مسالك الباطل بدنياه السمحة الركيكة في سبيل المعارضة الردية مع ما ينضاف
1 / 52