قلت في هذه الأشدية أن الزاني لم يجن إلا على نفسه بذنب بينه وبين ربه ومنتهب الأعراض جان على من آذاه في عرضه.
وأوحى الله تعالى إلى موسى ﵇ من مات تائبًا من الغيبة فهو آخر من يدخل الجنة ومن مات وهو مصر على الغيبة فهو أول من يدخل النار. وقال صلعم: إن الغيبة لتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب اليابس وقال صلعم: مررت ليلة أسري بي على قوم يخمشون وجوههم بأظفارهم فقيل لي هؤلاء الذين يغتابون الناس. وهي على ما بين صلعم ورسم أن تذكر أخاك بما يكرهه. قال إن ذكرته بما فيه فقد اغتبته وإن ذكرته بما ليس فيه فقد بهته. وفي بعض الطرق فقيل له يا رسول الله وإن كان حقًا قال: إن قلت باطلًا فذك البهتان.
ثم المستمع أحد المغتابين كذلك قال رسول الله صلعم قال الإمام الغزالي –رضه- فكيف إذا حرك نشاطه بالتعجب وكذلك قد يقول دع غيبة الناس وهو بقلبه غير كاره إنما غرضه أن يعرف بالورع وذلك لا يخرجه عن إثم الغيبة ما لم يكرهها بقلبه وتورطه في إثم الرياء بل يخرج من الإثم بأن يكره ذلك ويكذب المغتاب ولا يصدقه بقلبه لأنه فاسق يستحق التكذيب والمسلم المذكور بالغيبة يستحق إحسان الظن به.
قال رسول الله صلعم إن الله حرم من المسلم دمه وعرضه وماله وأن يظن به السوء فالغيبة بالقلب حرام كما أنها باللسان حرام ثم قال –رضه- واعلم أن أخبث الغيبة غيبة الفراء يقول أحدهم مثلا الحمد لله الذي لم يبتلنا بالدخول على السلطان لطلب الدنيا ونعوذ بالله من قلة الحياء وهم يفهمون من المقصود بذلك ويقولون ما أحسن أحوال فلان لولا أنه ابتلي بما بلي به أمثالنا وهو قلة الصبر على الدنيا فنسأل الله أن يعاقبنا.
وغرضهم في ذلك الغيبة فيجمعون الغيبة والرياء وإظهار التشبه بأهل الصلاح في الحذر من الغيبة وهذه خبائث يغترون بها ويظنون أنهم تركوا الغيبة وكذلك يغتاب واحد فيشتغل عنه الحاضرون فيقول سبحان الله ما أعجب هذا حتى ينبه القوم للإصغاء فيستعمل ذكر الله في تحقيق غيبته أو يقول قلبي مشغول بفلان تاب الله علينا وعليه.
وليس غرضه الدعاء بل التعريف ولو قصد الدعاء لأخفاه ولو اغتم قلبه لأجله لكتم عيبه ومعصيته وكذلك قد يظهر تعجبًا من كلام المغتاب حتى يزيد في نشاطه في الغيبة. قلت: فإذا كانت هذه المعصية من أعظم الكبائر ومن أشنع المناكر التي يجب
1 / 46