دون الثلاث بخلاف ذلك في عظم الإثم وشدة الوعيد. فوجب أن يلحق ذلك بالصغائر ولا ترد شهادة من ترك الجمعة مرة واحدة اشتغالًا بما سواه من أمور الدنيا حتى يفعل ذلك ثلاثًا متواليات فيتبين بذلك أنه متهاون بدينه غير متوق فيه وكذلك القول في تارك الصلاة من الصلوات حتى يخرج وقته بغير عذر ولا يجب أن ترد بذلك شهادته حتى يكثر ذلك من فعله. واحتجاج أصبغ لرد شهادته بذلك بقول الله ﷿: ﴿ومن يعص الله ورسوله ويتحد حدوده ندخله نارا خالد فيها وله عذاب مهين﴾ غير صحيح لأن المعنى في ذلك إنما هو فيمن عصى الله ورسوله بترك الإيمان وترك حدود الإسلام لأن الخلود في النار إنما هو من صفة الكفار هـ.
قلت: ولقائل أن يقول ليس تأويل المعصية بمعصية الكفر لما وقع من وعيد الخلود المخصوص بالكفار بأولى من تأويل الخلود على غير التأبيد كما ذكر في وعيد قاتل النفس مع القطع بإيمانه حالة القتل والخلود ليس من وعيد المؤمن فتعين أن يكون المراد به خلودًا غير مؤبد. ومثله يتعين هنا. وتكون المعصية على وجهها من إتيان الكبائر غير الكفر فيكون احتجاج أصبغ بالآية صحيحا لعدم لزوم تأويل ابن رشد فيها الذي نفى الصحة من أجله عن احتجاج أصبغ.
ثم قال في هذه الرواية مما كان يأمر به عمر بن عبد العزيز إذا فرغ من الجمعة بربط من لم يشهدها في عمود ويعاقبه لم يقل فيها هل هو صحيح متبع أم لا وقد ذكر في الجامع من المستخرجة إنكار ذلك قال: وسئل مالك عن إمام بلد يأمر إذا فرغ من صلاة الجمعة من يخرج فمن وجد ممن لم يحضر الجمعة ربطه بعمد المسجد فأنكر ذلك مالك.
قال ابن رشد رحه إمام البلد الذي سئل مالك فعله خطأ وأنكره لوجهين: أحدهما أن يكون لم ير أن يعاقب من وجد لم يشهد الجمعة إذ لعله قد كان له عذر منعه من شهودها حتى يتوالى ذلك من فعله ويتكرر فيتبين أنه قصد إلى ترك شهودها بدليل قول النبي صلعم "من ترك الجمعة ثلاث مرات من غير عذر ولا علة طبع الله على قلبه بطابع النفاق". والثاني معاقبته على ذلك بربطه إلى سارية المسجد إذ لم يتخذ المسجد لذلك وإنما ينبغي أن يؤدب بالضرب والسجن هـ.
1 / 34