فرعان
الأول: إنما يكون ترك الشاهد الرفع للحاكم بما يستدام فيه التحريم جرحة فيه إذا لم يبد عذرًا لسكوته يحسن قبوله كتقية ممن يخشى أو فقد من يرفع إليه في مسكنه ومقره من ولاة المسلمين وحكامهم. فلو لم يبد من العذر إلا جهله بحكم الوجوب والفرضية عليه في الرفع فحكى الشيخ ابن رشد في "مقدماته" وفي "كتاب الشفعة منها" الاتفاق على أنه لا يعذر في ذلك بالجهل وحكى في كتاب الشهادات من المقدمات نفسها قولين في قبول عذره بالجهل وعدم قبوله. ولعله اختلاف طريقة بالنسبة إلى نقليه في ذلك الكتاب.
الثاني: إذا رفع الشهود بالزنى أو غيره مما فيه حد أو عقوبة المشهود عليه للحاكم متعلقين به لم تجز شهادتهم عليه قال في " التعيبية" وأراهم قذفة. قال الشيخ ابن رشد -رضه تع- إنه لم تجز شهادتهم عليه لأن ما يؤخذ في ما فعلوا من أخذه وتعلقهم به ورفعهم إياه إلى السلطان لا يلزمهم ولا يجب عليهم بل هو مكروه لهم لأن الإنسان مأمور بالستر على نفسه وعلى غيره قال ﵇ من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله. وقال لهزال: يا هزال لو سترته بردائك لكان خيرا لك. فلما فعلوا ذلك صاروا طالبين له ومدعين عليه وقذفة فوجب عليهم الحد له إلا أن يأتوا بشهود آخرين غيرهم.
ولو كانوا أصحاب شرط موكلين بتغيير المنكر ورفعوه أو أحدهم فأخذوه أو أخذه فجاءوا به وشهدوا عليه لقبلت شهادتهم لأنهم فعلوا في أخذه ورفعه ما يلزمهم.
وفي " الواضحة" لمطرف وابن الماجشون وأصبغ: أنه إذا شهد أربعة بالزنى على رجل جازت شهادتهم وإن كانوا هم القائمين بذلك مجتمعين جاءوا أو مفترقين إذا كان افتراقهم قريبا بعضهم من بعض وما في الواضحة مخالف لقول ابن القاسم في " العتبية" فلو كانت الشهادة مما يستدام فيها التحريم من حقوق الله كالطلاق والعتق لجازت شهادتهما وإن كانا هما القائمين بذلك لأن القيام بذلك متعين. وقد قال بعض المتأخرين إن ذلك لا يجوز على مذهب ابن القاسم. ووجد ذلك فإن من قام في حق يريد تمامه فهو متهم أن يزيد في شهادته ليم ما قام فيه وهو عنده بعيد هـ.
1 / 28