البحث والكشف إنما يكون تجسسًا محظورًا فيمن استتر ولم يشتهر عنه ذلك المنكر كسبًا ودأبًا حتى أصبح أمره بذلك معلومًا. فالإغضاء عن مشهرات المناكر وترك البحث عن قطع مرادها مؤد إلى قوله صلعم. لما سألته زينب: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث هـ.
قلت: وظاهر كلامه هذا بل دلالته نص وصيته على ابتداء كشف الوالي والمغير عن المشتهر بالفسق والفجور قبل أن يرفع إليه أمره وذلك مخالف لما نقله من روايات أصحاب مالك عنه. فلعله يرى ذلك من رأيه أو من نظر المحققين من علماء وقته أو من تقدمهم لدفع دواعي المنكرات بحسب فساد الأزمنة والأوقات أو لعله يؤخذ من قول مطرف المتقدم فيما حكى ابن حبيب عنه. أما المشهور بذلك فأرى له تعاهده وليكشف عن بيته ذكر له عنه شيء أو لم يذكر ولم يذكر الحكم في الدار المعدة لذلك.
حكم الفاسق الذي يأوي إليه أهل الفساد
وقد وقع في سماع أبي زيد من ابن القاسم قال: سئل مالك عن فاسق يأوي إليه أهل الفسق والخمر ما يصنع به؟ قال: يخرج من منزله ويحاز عنه الدار والبيوت. فقال: قلت لا تباع عليه؟ قال: لا لعله يتوب فيرجع إلى منزله. قال ابن القاسم: يتقدم إليه مرة أو مرتين أو ثلاثًا فإن لم ينته أخرج وأكري عليه.
قال ابن رشد رحه "قد قال مالك: "في الواضحة" إنها تباع عليه خلاف قوله في هذه الرواية. وقوله فيها أصح لما ذكره من أنه قد يتوب فيرجع إلى منزله.
ولو لم تكن الدار له وكان فيها بكراء أخرج منها وأكريت ولم يفسخ كراؤه فيها. قاله في كراء الدور من "المدونة" وقد روى يحيى بن يحيى أنه قال: أرى أنه يحرق بيت الخمار. قال وقد أخبرني بعض أصحابنا أن مالكا كان يستحب أن يحرق بيت المسلم الذي يبيع الخمر. قيل له فالنصراني يبيع الخمر من المسلمين قال: إذا تقدم إليه فلم ينته فأرى أن يحرق عليه بيته بالنار. قال وحدثني الليث أن عمر بن الخطاب رضه: أحرق بيت رويشد الثقفي لأنه كان يبيع فيه الخمر. وقال له أتت فويسق ولست رويشد هـ. قلت: وقد وقع في سماع الشريف وابن نافع سؤال مالك أيحرق بيت الخمار؟ قال: لا. وقال ابن رشد: إنما قال ذك مالك لأجل ما وقع لعمر بن الخطاب مع رويشد الثقفي ومذهبه المعلوم منه أن لا يقع ذلك في عقوبة لأنه من العقوبة في المال وإنما يرى العقوبة في الأبدان، قال وما ذكر ابن لبابه عن يحيى بن يحيى من إحراق بيته وأنه أخبره بذلك بعض أصحابه عن
1 / 23