الغصب أباح عين مال الغاصب كما تدعي أن الملدد في مسألتنا شكل غاصب لمال طلبه المدعى عليه بإيجابه لأداء ما لم يجب. وقد لاح لي على كلا الدعوتين تركيب قياس. وذلك أن تقول: كل اللداد فهو ذنب ولا شيء من الذنب بمبيح لمال الإنسان الملد. فلا شيء من الإلداد بمبيح لال الإنسان الملد كما نقول: كل غصب فهو ذنب ولا شيء من الذنب بمبيح لمال الإنسان الغاصب فلا شيء من الغصب بمبيح لمال الإنسان الغاصب. أما الصغرى فمسلمة وأما الكبرى فقد ادعى صحتها في شأن الملد ويلزمه صحتها في شأن الغاصب بجامع أن كلًا منهما ذنب وهو عين ما تضمنته الصغرى المسلمة لكنا نستفسر مراده بما تضمنته الكبرى من سلب إباحة الذنب للمال إن كان على وجه العقوبة بمال أجنبي كما ضمن الشرع ذمته بما أتلف بذنب جناية الغصب والإلداد فمسلم وإن كان لا على وجه العقوبة بمال آخر سوى المال الذي أتلفه بذنب الإلداد والغصب فغير مسلم إذ نصوص الشرع تأباه بقولهم: لك غاصب فهو ضامن لما غصب وكذلك قولهم كل ملدد بما أتلف بإلداده ضامن فلو قال الجمهور في اللد إنه يؤدي ما أتلف بإلداده وزيادة مال آخر في مقابلة العقوبة والنكال لكان هذا المزاد مما لا يستباح بالذنب إذ هو عين العقوبة بالمال كما كان في أول الإسلام في مانع الزكاة تؤخذ منه وزيادة شطر ماله فالعقوبة إنما هي بالزيادة وأما ما وجب أداؤه من الزكاة فلا. كما أن هد ركن عظيم من الشريعة بتبديل وضعها في طريق الزواجر والعقوبات وبمصادمة ما نهى ربنا عنه فيها من أكل المال بالباطل فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم وفيما ذكرناه لم يتبع نفسه هواها وعض بالنواجذ على تزكيتها وتقواها غاية الكفاية ومنه سبحانه نرتجي التوفيق والعون والهداية.
فائدة: إذا لم يطلع على المنكر حتى انقضى فعله وفات محله فسبيل النظر فيه للقضاة والحكام لأن بابه الأحكام لا التغيير لفوات دفع المنكر بفوات محله لكن على الحاكم أو السلطان القيام بموجب ما ثبت عنده من ذلك فما كان فيه حد من الحدود المقدرة في الشرع كالشرب والسرقة والزنا وما أشبه ذلك من القصاص والديات أمضى الحاكم فيه حكمه على طريقه وموجبه المستوفى وما لم يكن فيه حد من الشرع متقرر كالغصوبات وإتيان الربويات والتعرض لكشف العورات وما لا يحصى عدة من المنكرات فإنما عليه إقامة العقوبات فيه على قدر اجتهاده ونظره بحسب كل نوع وكل شخص إذ المشهور عن مالك رضه أن ذلك موكول إلى اجتهاد الحاكم حسبما أسلفناه نقلًا من كلام ابن رشد رضه في الفصل الذي أوردناه متصلًا بهذه الفائدة غير أن الحاكم أيضًا في نفسه لا يهمل طريق الترتيب الذي تقدم في الأنواع الخمسة التي سطرنا قبل الفصل في الباب الخامس فرب رجل من ذي الهيئات لم
1 / 19