والمقصود نقل ابن رشد الإجماع على منع العقوبة بالمال كما تقدم في كتاب السلطان وأن ذلك نسخ بالإجماع. وفي سماع أشهب وابن نافع من كتاب الحدود. وسئل مالك أيحرق بيت الخمار الذي يوجد فيه الخمر؟ قال: لا. قال ابن رشد هذا صحيح على المعلوم من مذهبه أنه لا يرى العقوبات على الجرائم في الأموال إنما يراها في الأبدان. وفي كتاب الأحكام لابن العربي: لا عقوبة في المال ولكن يؤدب لجنايته بالإجماع. هذا نصه في سورة آل عمران وفي سورة الأنفال من الكتاب المذكور لا تجوز العقوبة بالمال بحال. وفي كتاب النهاية والتمام إن ما ورد من العقوبات بالأموال منسوخ كله وفي كتاب الطحاوي والعقوبة بالمال منسوخة. فهذه نصوص كلها متضافرة على نسخ ما ورد من العقوبة بالمال وأن بالإجماع انعقد على ذلك فلا يلتفت إلى قول من يريد إقامة الإباحة من مسائل وظواهر ينجح مقتضاها لذلك لاتساع مجال التأويل وفسحة القول بمنع ذلك بأدلة التوجيه والتعليل. وقول ابن قيم الجوزية الحنبلي فيما نقل عنه برهان الدين بن فرحون في "تبصرته" ومن قال إن العقوبة المالية منسوخة فقد غلا على مذهب الأئمة نقلًا واستدلالًا وليس يسهل عنه دعوى نسخها والمدعون النسخ ليس معهم كتاب ولا سنة ولا إجماع يصحح دعواهم محجوج بنقل هؤلاء الأئمة الأعلام في كتبهم المبسوطة المشهورة في الإجماع الذي نفاه هو. فمن حفظ حج على من لم يحفظ. وما ذكر من فعل الصحابة أشار به لفظًا عمر. قال ابن رشد وحكم بن عمر بن الخطاب رضه ثم انعقد الإجماع بعده على أن ذلك لا يسوغ والقضية التي قضى فيها عمر رضه هي التي ذكر في كتاب لابن عبد البر والله أعلم. قال خرج قاسم عن أصبغ أن عمر بلغه أن امرأة من قريش تزوجها رجل من ثقيف في عدتها فأرسل إليهما يفرق بينهما وقال لا ينكحهما أبدًا. وجعل صداقها في بيت المال. وفشا ذلك في الناس. فلما بلغ ذلك عليا رضه قال: رحم الله أمير المؤمنين ما بال الصداق وبيت المال إذا جهلا ينبغي للإمام أن يردهما إلى السنة قيل فما تقول أتت فيهما قال لها الصداق بما استحل من فرجها ويفرق بينهما ولا جلد عليهما وتكمل عدتها من الأول ثم تعتد من الثاني عدة كاملة ثلاثة أقراء ثم يخطبها إن شاء فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فخطب فقال: يا أيها الناس ردوا الجهلات إلى السنة وروى الثوري أن عمر جعل لها مهرها وجعلهما يجتمعان.
ملخص ذلك مما قصدنا التنبيه عليه أن يجعل القائم بتغيير المنكر حرمه العقوبة بالمال بين عينيه فلا يستبيحها ولا يبيحها لأحد من أعوانه بين يديه وسبيل أرزاقهم سبيل أرزاق الأعوان الذين يوجههم الحاكم في مصالح الناس تكون لهم من بيت المال كأرزاق القضاة
1 / 16