به وحققته الظنة عله لا يأخذ به مالك ولا يرى القضاء به إذ لا يرى العقوبات بالأموال وإنما ذلك أمر كان في أول الإسلام ثم انعقد الإجماع بأن ذلك لا يجب على سبيل الإنكار عليه إن كان يؤتى بالرجل يقبل المرأة فينزع ثنيته. وهذه نهاية في الإنكار والعقوبات على الجرائم عند مالك على قدر اجتهاد الوالي وعظم جرم الجاني وإن تجاوز الحدود.
وقد أمر صاحب الشرطة في الذي وجد مع صبي في سطح وقد جرده وضمه إلى صدره وغلق على نفسه معه فلم يشكوا في المكروه بعينه أن يضربه ضربًا مبرحًا ويسجنه سجنًا طويلًا حتى تظهر توبته فسجنه أيامًا فكان أبوه يختلف إلى مالك ويتردد إليه ويقول: اتق الله فما خلقت النار باطلا فيقول له مالك: أجل إن الذ ألفي عليه ابنك لمن الباطل ثم ضربه صاحب الشرطة أربع مائة سوط فانتفخ فمات. فما أكبر ذلك مالك ولا بالى به فقيل له: يا أبا عبد الله إن مثل هذا من الأدب والعقوبة لكثير. فقال: هذا بما اجترم وما رأيت أنه أمتسه من العقوبة إلا بما اجترم.
وقال مطرف بن عبد الله في المبسوط: الأدب إلى الحاكم موكول إلى نظره يؤدب في ذلك باجتهاده وإن أتى الأدب على النفس وإخراج الروح وله في "الواضحة" أن أقصى ما يبلغ في الأدب المعروف بالجرم ثلاثمائة سوط فما دون ذلك. وروى عن أصبغ: أن أقصى الأدب المعروف في جرم الفاسد البين الفساد مائتان.
وروي عنه: أن ذلك إلى اجتهاد الإمام وإن أتى على النفس. وقد روي عن النبي ﷺ من رواية ابن عباس أنه قال: م بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين. وذهب إلى هذا محمد بن مسلمة. فقال: قد انتهى غضب الله في الزانية والزاني إلى مائة جلدة وقال: ﴿ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله﴾ فلم يجعل عليهما أكثر من ذلك فلا يتجاوز في العقوبة ثمانون سوطًا.
وقد روى عبد الله بن مسلمة بن قعنب عن مالك: أنه لا يتجاوز فيها خمسة وسبعين وإن كان يقول: الأدب عندي دون الحدود. والمشهور عنه المعلوم من مذهبه أن ذلك إلى اجتهاد الإمام وهو مذهب ابن القاسم.
وقال أبو حنيفة: لا يبلغ بالضرب أكثر من ثلاثة أسواط في الأدب ولا يزاد على الثلاثة إلا في حد من حدود الله. وروي ذلك عن الليث بن سعد. وقال أبو يوسف: لا يبلغ في الأدب ثمانين. وقال ابن أبي ليلى وابن شبرمة لا يبلغ مائة ومن أهل العلم من رأى أنه يضرب في الأدب أكثر من عشرة أسواط. وروي مثله عن أشهب. قال لا يزيد السلطان في الأدب على عشرة أسواط ولا المكتب على ثلاثة فإن زاد على ثلاثة اقتص منه وما اجتلبنا الحكاية بطولها وكلام ابن رشد عليها بكماله إلا لما احتوت عليه من الفوائد في شأن ما نحن فيه من الزواجر والعقوبات الشرعية.
1 / 15