فقال يا بني رجلًا تسلف دراهم إلى وقت فلما حل الأجل والغريم موسر قادر على الأداء تهاون بذلك واستخف ولم يزل يتراخى به حتى استحق ذم التأخير ثم أتاه بعد ذلك بها ناقصة زيوفًا فجميع جنسي الإساءة في القضاء فهل يكون لهذا حظ في القبول قال فما أتم كلامه حتى فهمت مقصده وتعريضه بما فعلت في صلاتي. فخجلت ثم قلت له: نعم فما زاد على أن قال يا بني قم بارك الله فيك فعدت لإتمام صلاتي وأثر ذلك عندي خير تأثير. فهذا النوع من الرفق والتلطف في التعليم بحسب فهم صاحب النازلة وما يليق به أوقع في النفوس وأقرب للإجابة من كثير من العنف والشدة النوع الثاني الوعظ بما يهز النفوس ويمليها لتصفيه الباطن والبعد من الإثم ومواقع الجرائم بالتخويف من عقاب الله والتحذير من أليم عذابه واستحقاق وعيده. وذلك في سائر من علم أن وقوعه في المناكر على علم منه بها كمدمن شرب الخمر والمواظب على الغيبة والنميمة وأمثال ذلك من أنواع المعاصي التي لا يجوز على مسلم مكلف أن يجهل تحريمها. فاللازم في شأن هذا أن يتعاهد المتصف به بالعظة والإخافة من ربه جل وعلا ويتلطف معه في إيصال ذلك لجأشه وليه فلعل مصرف القلوب سيجعل ذل صارفا قلبه عن مواقعه الزلل ويلهمه رشده في محو آثار كل خلل.
قال مولانا في حكم تنزيله المبين ﴿وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين﴾.
النوع الثالث الزجر والتأنيب والإغلاظ بالقول والتقريع باللسان والشدة في التهديد وهجن الخطاب في الإنكار. وذلك فيمن لا ينفع فيه وعظ ولا ينجع في شأنه تحذير برفق ولا تكره لطف فردعه إنما يكون بالتخويف الصارف له والمرهب القامع لأمثاله كقوله: لئن لم تنته لأقعن بك كذا وما أشبه هذا من التقريع والوعيد الذي هو أهله. ولا ينبغي أن يتعدى إلى السب الفاحش والذم الذي ليس من صفة ذلك المخاطب فإن فعل ذلك في غير محله ومع من ليس من أهله فذلك منكر واقعه مغير المنكر يجب الاحتساب فيه عليه.
النوع الرابع التغيير بملاقاة اليد بإزالة ذلك المنكر وإذهاب وجوده وذلك فيمن كان حاملًا الخمر أو لابسًا ثوب حرير أو خاتم ذهب أو ماسكًا لمال مغصوب وعينه قائمة بيده وربه متظلم من بقاء ذلك بيده طالب رفع المنكر في بقائه تحت حوزه وتصرفه فأمثال هذا لابد فيه مع الرجز والإغلاظ من المباشرة للإزالة باليد أو ما يقوم مقام اليد كأمر الأعوان الممتثلين أم المغير في إزالتهم له بوازع الطاعة وأعمال المسارعة فيريقون الخمر وينزعون ثوب الحرير وخاتم الذهب ويختطفون المغصوب من يد الغاصب ويردونه لمالكه وما شاكل ذلك من أساب البيع في زوال ذلك المنكر ومحو آثاره.
قال رسول الله ﷺ: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده. تنبيه إذا لم يقع التمكن من إراقة الخمر ولا بكسر أنابيبها
1 / 12