ومنهم من ذهب إلى أنه جسم لطيف في البدن، سار فيه سريان ماء الورد في الورد، والنار في الفحم، قابل للزوال، عامل لصفات الكمال من العقل والفهم، وهو اختيار الإمام يحيى، وحكاه الإمام المهدي في مقدمات البحر عن النظام وابن الأخشيد من المعتزلة، وعليه اعتمد عامة المتكلمين من أهل السنة، وذهب إليه ابن الخطيب ونقحه في تفسيره الكبير، فقال ما لفظه: قالوا لا يجوز أن يكون الإنسان عبارة عن هذا الهيكل المحسوس، لأن أجزاءه أبدا في النمو والذبول، والزيادة والنقصان، والاستكمال والذوبان، ولا شك أن الإنسان من حيث هو هو أمر باق من أول عمره إلى آخره، والهيكل المحسوس غير باق، فالمشار إليه عند كل أحد بقوله إنما وجب أن يكون مغايرا لهذا الهيكل. ثم اختلفوا عند ذلك في الذي يشير إليه كل أحد بقوله: إنا وجب أن يكون مغايرا لهذا الهيكل ثم اختلفوا عند ذلك في الذي يشير إليه كل أحد بقوله أنا أبشر هو، والأقوال كثيرة، إلا أن أسدها تخليصا أنها أجزاء جسمانية سارية في هذا الهيكل سريان النار في الفحم، والدهن في السمسم، وماء الورد في الورد. ثم المحققون منهم قالوا: إن الأجسام التي هي باقية من أول العمر إلى آخره أجسام مخالفة بالماهية. والحقيقة التي منها اتلفت هذا الهيكل وتلك الأجسام فيه مدركة لذاتها، فإذا خالطت هذا الهيكل وتلك الأجسام فيه مدركة لذاها، فإذا خالطت هذا البدن وصارت سارية في الهيكل سريان النار في الفحم، فصار هذا الهيكل أبدا في الذوبان، والتحلل، إلا أن تلك الأجزاء بحالها وإنما لا يعرض لها التحلل، لأنها مخالفة في الماهية بهذا الأجسام القابلة. فإذا فسد هذا القالب، انفصلت تلك الأجسام اللطيفة النورانية إلى عالم السموات والعرش، إن كانت من جملة الأشقياء كلامه.
وقال الإمام القرطبي في تذكرته: إن الروح جسم لطيف متشابك الأجسام المحسوسة يجذب ويخرج وفي أكفانه يلف، وبه إلى السماء يعرج، لا يموت ولا يفنى، وهو مما له أول وليس له آخر، هو بعينين ويدين وإنه ذو روح طيب وخبيث، وهذه صفة الأجسام لا صفة الاعراض، وهذا غاية البيان ولا عطر بعد عروس. وقد اختلف الناس في الروح اختلافا كثيرا، أصح ما قيل فيه، ما ذكرناه لك وهو مذهب أهل السنة، إنه جسم، ثم قال: وكل من يقول عن الروح يموت ويفنى فهو ملحد، وكذا من يقول بالتناسخ كلامه.
1 / 4