164

لانطلاقه ولما كان سحر السبت المبارك الخامس والعشرين من شهر رمضان المعظم سنة ثمان وسبعماثة تقرر ركوبه من القلعة المحروسة، فركبت الأمراء الأكابر وأعيان العساكر وخرج السلطان أعز الله نصره فى أقسام الساعة الأولة من الهار المذكور لابسا قباء من الصوف يروم تلك الصفوف، فودعاه والعيون دانية الغروب والشجون نامية فى القلوب والأكباد متحرقة لتوديعه والأنفس متحسرة لمرارة فرقته وتشييعه، وسار حتى نزل الصالحية ليلة عيد القطر ، فا استم ( أكل طعامه حى أمر بتقويض خيامه وسار منها إلى الكرك فى البرية على الطريق المعروفة بالبدرية، فوصلها فى يوم الأحمد العاشر من شوال سنة ثمان وسبعماثة وطلع القلعة فى يوم الذكور والناس يظنون أنه منها يسير الى الحجاز ويعتقدون من حقيقة الحركة ما كان على طريقة المحاز ولم يعلموا ما اشتملت عليه ضمائره ولا أدركو ما انطوت عليه سراثره . فكان كل يخبط فى عشواء ويرجم الظنون والآراء وهو، أعر الله نصره، كاثم سره مالك أمره متثد فى تدبيره مهتد إلى الإصابة فى تقديره، له من الله تعالى عناية مبصرة بالصواب، معينة على ما يبرمه من أواخى الأسباب، فهو كما قيل: شمر

خفى مدب الكيد لا يستشفه

لبيب ولا يفضى إليه مخادع

ولو سد عن علم المقادير كائن

لما درت الأقدار ما هو صانع

طلوب لغايات المكارم جمع

على الهم ثبت الرأى يقظان جامع

يلاحظ أعقاب الأمور كانما

بدائهه دون الغيوب طلائع

واهتم الأمير جمال الدين أقوش الأشرفى نائب السلطنة بها اهتماما يليق بذلك المقام وهيأ خوانا عظيما من أفاخر أنواع الطعام وخرج للقاء مولانا ومخدومنا السلطان فرحا وبادر إلى استقباله متشرحا . فلما وصل إلى القلعة وسلك على الجسر الخشب الممتد فوق خندقها وقد ترجلت الأمراء والماليك على عادة الخدمة الشريفة، ومشوا بين يديه ومن خلفه وإلى جانبه، وإذا بالجسر المذكور قد خشعت أخشابه لقدم الزمان وخشعت هيبة لمواطىء السلطان، فلما تقدمت يدا فرسه بحيث صارتا على السفح وروامحه بعد على حافة الجسر فى أقرب من اللمح ، انكسر تحت أرجل الجماعة وتردت عامتهم

Page 189