وقد يقال: إن هذا بيان لمراده تعالى من نفير الأحياء كلها، وشرذمة من كل قبيلة إن لم يخرجوا كلهم، ليتفقه الخارجون مع الرسول بما ينزل من الوحي عليه، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما كان من أمر العدو، فيجتمع لهم الأمران في هذا: النفير المعين وبعده، ﷺ، تكون الطائفة النافرة من الحي إما للتفقه وإما للجهاد؛ فإنه فرض كفاية على الأحياء.
وقال قتادة ﵀ في هذه الآية: هذا إذا بعث رسول الله ﷺ الجيوش، أمرهم الله ألا يعروا نبيَّه ﷺ، وتقيم طائفة مع رسول الله تتفقه في الدين، وتنطلق طائفة تدعو قومها، وتحذرهم وقائع الله فيمن خلا قبلهم. وقال الحسن البصري ﵀: ﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ قال: ليتفقه الذين خرجوا، بما يردهم الله من الظهور على المشركين، والنصرة، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم» (١).
وقال الشيخ رشيد رضا ﵀: «والآية تدلُّ على وجوب تعميم العلم والتَّفقُّه في الدين والاستعداد لتعليمه في مواطن الإقامة وتفقيه النَّاس فيه على الوجه الذي يصلح به حالهم، ويكونون به هداةً لغيرهم، وأن المتخصصين لهذا التفقه بهذه النِّيَّة، لا يقلون في الدَّرجة عند الله عن المجاهدين بالمال والنَّفس لإعلاء كلمة الله والدِّفاع عن الملَّة والأمَّة: بل هم أفضل منهم في غير الحال التي يكون فيها الدِّفاع فرضًا عينيًا، والدَّلائل على هذا كثيرة» (٢).
وقال الشيخ السعدي ﵀: «وفي هذه الآية أيضًا دليل وإرشاد وتنبيه لطيف، لفائدة مهمة، وهي: أن المسلمين ينبغي لهم أن يعدوا لكل مصلحة من مصالحهم العامة من يقوم بها، ويوفر وقته عليها، ويجتهد فيها، ولا يلتفت إلى غيرها، لتقوم مصالحهم، وتتم منافعهم، ولتكون وجهة جميعهم، ونهاية