فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (١).
قال الرازي ﵀: «وذكر بطلان مذهبهم بأبلغ الوجوه، وذلك لأن المعبود إنما يعبد لأحد أمور، إما لكونه مستحقًا للعبادة بذاته كالعبد يخدم سيده الذي اشتراه سواء أطعمة من الجوع أو منعه من الهجوع، وإما لكونه نافعًا في الحال كمن يخدم غيره لخير يوصله إليه كالمستخدم بأجره، وإما لكونه نافعًا في المستقبل كمن يخدم غيره متوقعا منه أمرًا في المستقبل، وإما لكونه خائفًا منه. فقال إبراهيم: ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا﴾ إشارة إلى أنها لا تستحق العبادة لذاتها لكونها أوثانًا لا شرف لها. وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ إشارة إلى عدم المنفعة في الحال وفي المآل، وهذا لأن النفع، إما في الوجود، وإما في البقاء لكن ليس منهم نفع في الوجود، لأن وجودهم منكم حيث تخلقونها وتنحتونها، ولا نفع في البقاء لأن ذلك بالرزق، وليس منهم ذلك، ثم بين أن ذلك كله حاصل من الله فقال: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ فقوله: الله إشارة إلى استحقاق عبوديته لذاته وقوله: ﴿الرِّزْقَ﴾ إشارة إلى حصول النفع منه عاجلًا وآجلًا. وقال ﴿لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا﴾ نكرة، وقال: ﴿فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ معرفًا فما الفائدة؟
فنقول قال الزمخشري ﵀ قال: ﴿لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا﴾ نكرة في معرض النفي أي لا رزق عندهم أصلًا، وقال معرفة عند الإثبات عند الله أي كل الرزق عنده فاطلبوه منه، وفيه وجه آخر وهو أن الرزق من الله معروف بقوله: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (٢).