Translation of the Quran
ترجمة القرآن الكريم
Publisher
الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة
Edition Number
العدد الستون / شوال-ذو القعدة-ذو الحجة
Publication Year
١٤٠٣ هـ
Genres
وسهولة ذلك عليهم، لأن سورة واحدة وآيات يسيرة كان أنقص لقوله وأفسد لأمره وأبلغ في تكذيبه وأسرع في تفريق أصحابه من بذل النفوس والخروج من الأوطان وإنفاق الأموال، وهذا من جليل التدبير الذي لا يخفى على من هو دون قريش والعرب في الرأي والعقل بطبقات ولهم القصيدة العجيب والرجز الفاخر والخطب الطوال البليغة والقصار الموجزة ولهم الأسجاع والمزدوج واللفظ المنثور ثم يتحدى به أقصاهم بعد أن ظهر عجز أدناهم فمحال أكرمك الله أن يجتمع هؤلاء كلهم على الغلط في الأمر الظاهر والخطأ المكشوف البين مع التقريع بالنقص والتوقيف على العجز وهم أشد الخلق أنفة وأكثرهم مفاخرة والكلام سيد عملهم وقد احتاجوا إليه والحاجة تبعث على الحيلة في الأمر الغامض فكيف بالظاهر الجليل المنفعة وكما أنه محال أن يطيقوه ثلاثًا وعشرين سنة على الغلط في الأمر الجليل المنفعة فكذلك محال أن يتركوه وهم يعرفونه ويجدون السبيل إليه وهم يبذلون أكثر منه١.
وقال ابن عطية: "الصحيح والذي عليه الجمهور والحذاق في وجه إعجازه أنه بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه وذلك أن الله أحاط بكل شيء علمًا وأحاط بالكلام كله فإذا ترتيب اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظه تصلح إن تلى الأولى وتبين المعنى بعد المعنى ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره والبشر بعضهم يعمهم الجهل والنسيان والذهول ومعلوم ضرورة أن أحدًا من البشر لا يحيط بذلك فبهذا جاء نظم القرآن فما الغاية القصوى من الفصاحة. والصحيح أنه لم يكن في قدرة أحد قط ولهذا نرى البليغ ينقح القصيدة أو الخطبة حولًا ثم ينظر فيها وهلم جرا وكتاب الله لو نزعت منه لفظة ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم يوجد ونحن يتبين لنا البراعة في أكثره ويخفى علينا وجهها في مواضع لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق وجودة القريحة وقامت الحجة على العالم بالعرب إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة كما قامت الحجة في معجزة موسى بالسحر، وفي معجزة عيسى بالأطباء فإن الله إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهير أبدع ما يكون في زمن النبي الذي أراد إظهاره فكان السحر قد انتهى في مدة موسى إلى غايته وكذلك الطب في زمن عيسى والفصاحة في زمن محمد ﷺ"٢.
ويقول الخطابي: إنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حاصل ومعنى به قائم ورباط لهما ناظم، وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئًا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه، ولا ترى نظمًا أحسن تأليفا وأشد تلاوة وتشاكلًا من نظمه، وأما معانيه فكل ذي لب يشهد له بالتقدم في أبوابه والترقي
_________
المرجع السابق.١
المرجع السابق: (ص: ١١٩) . ٢
1 / 97