30

Tisca Tasawwurat Can Zaman

تسعة تصورات عن الزمن: السفر عبر الزمن بين الحقيقة والخيال

Genres

في ستينيات القرن العشرين، أثبت روجر بينروز أنه وفقا لنظرية النسبية العامة، فإن أي شيء يسقط في ثقب أسود بسيط تكون من كتلة من مادة غير دوارة لا بد أن يسحب إلى داخل المتفردة وينسحق من الوجود، الأمر الذي لا يبشر بخير للراغبين في السفر عبر الزمن أو عبر المكان. لكن في الوقت نفسه تقريبا، وجد روي كير - وهو عالم رياضي نيوزيلندي - أن الأمور تختلف حال كان الثقب الأسود يدور. ستتشكل المتفردة، ولكن في شكل حلقة، كحبة سكاكر النعناع المثقوبة. يمكنك، من حيث المبدأ، أن تغوص في مثل هذا النوع من الثقوب السوداء وعبر الحلقة وتخرج في مكان وزمان آخرين. وإن اصطدمت بالحلقة فستنسحق من الوجود؛ لكن من يسقط عبر الحلقة سيعبر جسر أينشتاين-روزين وينتهي به المآل في جزء آخر من الزمكان. ولكن هذا سيكون بمثابة نفق ذي اتجاه واحد؛ إذ لا يمكنك العودة من حيث انطلقت. والالتفاف للعودة عبر النفق من شأنه أن يأخذك إلى منطقة أخرى من الزمكان. كان «حل كير» هذا هو المثال الرياضي الأول لآلة زمن، لكن أحدا لم يأخذه على محمل الجد في ذلك الوقت. «على مدار حياتي العلمية كلها الممتدة لأكثر من خمسة وأربعين عاما، كانت أكثر التجارب إثارة هي إدراكي أن حلا دقيقا لمعادلات أينشتاين في النسبية العامة - والذي اكتشفه عالم الرياضيات النيوزيلندي روي كير - يقدم التمثيل الدقيق تماما لأعداد لا توصف للثقوب السوداء الضخمة التي يعج بها الكون.»

إس تشاندراسخار، «الحقيقة والجمال: الجماليات والدوافع في العلوم»، مطبعة جامعة شيكاغو، 1987

أقنع العلماء البارزون أنفسهم من خلال الخيال العلمي - وربما بصورة حتمية - بإمكانية تفعيل السفر عبر الزمن وإنجاحه، وذلك من خلال حضارة متقدمة على المستوى التقني. كان رائد الفضاء الأمريكي كارل ساجان يعكف على كتابة رواية استخدم فيها جهازا يصنع ممرا عبر ثقب أسود يسمح لشخصيات روايته بالسفر من نقطة بالقرب من الأرض إلى نقطة بالقرب من نجم النسر الواقع. كان ساجان يعلم علم اليقين أنه يلوي قوانين الفيزياء، ولكنه أراد أن يكون العلم في روايته دقيقا قدر الإمكان؛ لذا سأل كيب ثورن بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا - وهو خبير في النسبية - كيف يمكن إدخال بعض ترهات العلم الزائف في حبكة القصة ليجعلها تبدو معقولة ومستساغة ظاهريا. وحين اطلع ثورن على المعادلات بعناية (أو بالأحرى حين أوكل إلى اثنين من طلبة الدكتوراه لديه، وهما مايكل موريس وأولفي يورتسيفر، مهمة الإتيان ببعض التفاصيل عن السلوك الفيزيائي للثقوب الدودية) أدرك أن بالإمكان جعل جسر أينشتاين-روزين مستقرا باستخدام الفيزياء الغريبة (لكن ليست المحظورة)، وسأشرح ذلك بعد قليل. حقق كل من موريس ويورتسيفر تقدما بالبدء من الطرف الرياضي للمشكلة، على غرار الطريقة التي استخدمها تيبلر في دراسة آلات الزمن الدوارة. فبدلا من التفكير في الكيفية التي يمكن أن تتشكل بها الثقوب السوداء ثم التحقق رياضيا مما إن كانت تلك الثقوب السوداء يمكنها أن تشكل جسور أينشتاين-روزين، استخدما معادلات النظرية العامة بهدف «إنشاء» هندسة للزمكان تتوافق مع الشرط الذي وضعه ساجان للثقب الدودي حتى يمكن للكائنات البشرية عبوره وسلوكه ماديا. ثم بعد ذلك اتجها للبحث في الفيزياء، ليريا إن كان ثمة طريقة يمكن لقوانين الفيزياء المعروفة العمل من خلالها لإنتاج الشكل الهندسي المطلوب. وقد كان. سر ساجان كثيرا، وظهر نفق الزمكان في الرواية، وهي رواية «اتصال» (كونتاكت)، التي نشرت في عام 1985، وفي الفيلم الذي أنتج لاحقا بطولة جودي فوستر. لكن كان هذا لا يزال يقدم باعتباره طريقا مختصرا عبر الفضاء.

ويبدو أن ثورن لم يدرك مباشرة أن الحيلة التي وجدها فريقه فتحت الباب أيضا أمام إمكانية السفر عبر الزمن. لكن في شهر ديسمبر من عام 1986، ذهب ثورن مع مايك موريس لحضور اجتماع علمي في شيكاغو، حيث أشار أحد المشاركين الآخرين على موريس على نحو عرضي بأن الثقوب الدودية يمكن استخدامها أيضا في السفر عكسيا عبر الزمن. وقد روى ثورن قصة ما حدث آنذاك في كتابه «الثقوب السوداء والتواء الزمن». فقد أدرك أن أي ثقب دودي طبيعي المنشأ سيربط على الأرجح بين زمنين مختلفين. وبمجرد أن أجاز ثورن فكرة السفر عبر الزمن وأيدها - وهو من الرواد المشهود لهم في مجال دراسة نظرية النسبية العامة - بدأ فيزيائيون آخرون في إدخال مزيد من التطوير عليها.

جودي فوستر في فيلم «اتصال» (كونتاكت)

جيتي

خلاصة كل هذا العمل أنه في حين يكون من الصعب إدراك كيف يمكن لأي حضارة تشييد آلة زمن من ثقب دودي من نقطة الصفر، يكون من الأسهل كثيرا تخيل إمكانية تطويع ثقب دودي طبيعي المنشأ ليلائم متطلبات السفر عبر الزمن لدى أي حضارة متقدمة بما يكفي. وعبارة «متقدمة بما يكفي» هنا تعني القدرة على السفر عبر الفضاء بالوسائل التقليدية، وتحديد مواقع الثقوب السوداء وتطويعها بالسهولة التي نطوع بها سطح الأرض في مشروعات مثل نفق المانش.

استخدم فريق ثورن معادلات النظرية العامة لمعرفة نوعيات المادة والطاقة التي يمكن أن تبقي ثقبا دوديا مفتوحا. وينبغي عدم الاندهاش مما اكتشفوه. فالجاذبية تجذب أجزاء المادة معا، ما ينشئ متفردات ويضغط حلق الثقب الدودي مغلقا إياه. ولكي يبقى الثقب الدودي مفتوحا، ينبغي أن يمرر عبره شكل من أشكال مادة غريبة غير مألوفة، أو مجال ما، ينتج ضغطا سالبا ومن ثم يكون له مقاومة للجاذبية. قد تظن أن هذا يجعل من إنشاء ثقوب دودية يمكن السفر عبرها واجتيازها أمرا مستحيلا. فالضغط السالب أشبه بنفخ بالون ورؤيته وهو ينكمش ويفرغ منه الهواء. فهل من المؤكد حقا أن مادة كهذه لا يمكن أن توجد في الكون الحقيقي؟ لكن ربما تكون موجودة بالفعل. «إن كنت شديد التفاؤل، فالفكرة الأساسية أنك إذا ما تلاعبت بفتحات الثقب الدودي، فلا يمكنك أن تجعله طريقا مختصرا من نقطة إلى أخرى في الفضاء، بل طريقا مختصرا من لحظة إلى أخرى في الزمن.»

براين جرين

وجد السبيل إلى هذا النوع من مقاومة الجاذبية منذ زمن طويل على يد الفيزيائي الهولندي هندريك كازيمير في عام 1948. عمل كازيمير في مختبرات الأبحاث لعملاق الكهرباء فيليبس، حيث توصل إلى اقتراح لما صار يعرف بعد ذلك بتأثير كازيمير. من الطرق البسيطة لفهم تأثير كازيمير تمثيلها بلوحين معدنيين متوازيين، متقاربين جدا أحدهما من الآخر وبينهما فراغ. لكن فيزياء الكم تخبرنا بأن الفراغ - أو المساحة الفارغة - ليس خاويا بالفعل. بل يعج بالنشاط، إلى جانب الجسيمات الكهرومغناطيسية، أو الفوتونات، من بين أشياء أخرى، التي تظهر من العدم لبرهة قصيرة جدا قبل أن تختفي ثانية. تسمى هذه الفوتونات بالفوتونات «الافتراضية»، لكنها موجودة بالفعل. كل هذا يعود إلى ظاهرة اللايقين الكمومي، التي تخبرنا بأننا لا يمكن أبدا أن نكون واثقين كل الثقة مما إذا كانت الفوتونات موجودة بالفعل أم لا.

Unknown page