Tisca Tasawwurat Can Zaman
تسعة تصورات عن الزمن: السفر عبر الزمن بين الحقيقة والخيال
Genres
لم يسلم تيبلر بصحة أي شيء اعتباطا حين انطلق في استكشاف الاحتمالات، بل استنبط كل شيء من المبادئ الأولى. فقام بحل المعادلات بنفسه ليتأكد من أن النظرية العامة تسمح بوجود حلقة مغلقة شبيهة بالزمن، ما يعني أن المسافر يسافر بالزمن إلى الماضي لجزء من الرحلة. ثم تحقق من إمكانية توافر الظروف التي تسمح بمثل هذه الرحلات في مناطق محلية داخل حدود الكون، دون أن يتخلل ذلك إدخال أجسام ذات طول لا نهائي أو الكون بأكمله. وكانت الإجابة «نعم». حينها فقط بحث في مدى إمكانية تخليق مثل هذه الظروف - من حيث المبدأ على الأقل - اصطناعيا. بعبارة أخرى، إنشاء آلة زمن فاعلة وناجعة. وجاءت الإجابة ب «نعم» مرة أخرى.
فرانك تيبلر
الصورة الرسمية لجامعة تولين
والسمة الأساسية هنا هي ذلك الدوران. لكن آلة زمن من هذا النوع (سواء أكانت طبيعية أم اصطناعية) تنطوي أيضا على شيء يدعى المتفردة المجردة، أو على وجه التحديد، متفردة مجردة دوارة. والمتفردة هي ما يكمن في قلب الثقب الأسود (سنتحدث أكثر عن الثقوب السوداء في تصوري التالي)، حيث انسحقت المادة من الوجود بفعل الجاذبية. والمتفردة المجردة هي متفردة لا تختبئ بداخل ثقب أسود، وقد تنكشف مثل هذه الأجسام للعالم الخارجي لفترة وجيزة حين تنفجر الثقوب السوداء، أو حين تنهار الأجسام الضخمة السريعة الدوران. وتلك «الفترة الوجيزة» هي كل ما تحتاج إليه من وقت.
في موضع بعيد عن المتفردة - حيث يكون مجال الجاذبية ضعيفا - يتصرف الماضي والمستقبل بالطريقة المعتادة عند الزمكان المنبسط. لكن كلما اقتربت من المتفردة الدوارة، انقلب الزمكان في اتجاه دوران الجسم المركزي. سيبدو كل شيء طبيعيا بالنسبة إلى أي أحد في تلك المنطقة من نسيج الزمكان؛ فسيمر الوقت كالمعتاد، وستظل قوانين نظرية النسبية سارية. لكن بالنسبة إلى شخص يشاهد كل هذا من مكان بعيد في الزمكان المنبسط، تكون الأدوار التي يلعبها الزمان والمكان بالقرب من الجسم الدوار مشوشة. فالزمن يدور حول الجسم المركزي. ويمكن للمسافر أن يتحرك من الزمكان المنبسط إلى المنطقة المتأثرة، ثم عبر مسار يشكل بالنسبة إلى المراقب من بعيد دائرة حول المكان، وذلك دون أن يتحرك في الزمن أبدا! سيكون المسافر موجودا في كل مكان عبر المسار في الوقت نفسه. ولو أراد، يمكن له أن يتبع مسارا في منحنى حلزوني معتدل حول محور الزمن، متحركا بذلك في الزمن إلى الماضي؛ سيظل المسافر يعود إلى المكان نفسه الذي بدأ منه، لكن في أوقات أسبق وأسبق. بعد ذلك يمكن له أن يتحرك بعيدا عن الجسم الدوار في اتجاه الزمكان المنبسط الطبيعي، ولكن في الماضي.
وبحسب تعبير تيبلر «يمكن للمسافر أن يبدأ رحلته في المناطق ذات الجاذبية الضعيفة - ربما بالقرب من الأرض - ثم يذهب إلى منطقة المخروط الضوئي المقلوب ثم في اتجاه الزمن السالب، ثم يعود إلى منطقة الجذب الضعيف ... وإذا ما قطع مسافة كافية في اتجاه الزمن السالب فيما لا يزال في منطقة الجذب القوي، يمكن له أن يعود إلى الأرض قبل أن يغادرها؛ ومن ثم يمكن أن يذهب إلى أبعد ما يريد في ماضي الأرض. هذه حالة من الحالات الحقيقية للسفر عبر الزمن.»
ثمة ميزة إضافية في إنشاء آلة زمن تستند إلى نظرية تيبلر، وقد أشرت إليها بالفعل. لا يحتاج وجود المتفردة المجردة إلا وهلة؛ لأن الحلقات المغلقة الشبيهة بالزمن المرتبطة بالمتفردة تقطع الطريق كله في تلك الوهلة من الزمن الخارجي إلى المستقبل، منذ اللحظة التي تنشأ فيها الآلة. لكن هذا يطرح تساؤلا: أنى لنا أن ننشئ جهازا كهذا من الأساس؟
لعل الطريقة الأنجح والأفضل لذلك أن نجد جسما دوارا مضغوطا للغاية نشأ طبيعيا في الكون ، ونسرع حركته نحو النقطة التي تتكون فيها حلقة مغلقة. وأكثر الأجسام المعروفة كثافة واكتنازا تسمى النجوم النيوترونية، التي يكدس كل نجم منها كتلة أكبر من كتلة الشمس بقليل في جسم بحجم جبل إيفرست تقريبا. وتظهر الكثير من تلك النجوم إلى أجهزة الرصد لدينا؛ لأنها تطلق موجات راديوية، تنبعث كضوء فنار، فتومض أمام الأرض في كل مرة يدور فيها النجم. تعرف هذه النجوم باسم النجوم النابضة أو النباضات، ويدور بعضها بسرعة كبيرة جدا، تصل إلى مئات الدورات في الثانية الواحدة. وهذه السرعة قريبة على نحو مثير جدا من السرعة التي يمكن أن تنشأ عندها آلة زمن. ويقدر تيبلر أن الطبيعة لو كونت أسطوانة دوارة هائلة طولها 100 كيلومتر وعرضها 10 أو 20 كيلومترا، ولها كتلة تضاهي كتلة الشمس وتدور حول نفسها مرتين كل ملي ثانية، فإن متفردا مجردا سيتشكل في مركزها، يرافقه حلقات مغلقة شبيهة بالزمن مرتبطة به. وسرعة الدوران لا تعادل سوى ثلاثة أضعاف أسرع النجوم النابضة المعروفة. إذا كان بإمكانك أخذ عشرة نجوم نيوترونية وربط أقطابها معا وتدويرها بسرعة كافية، فستحصل على آلة زمن تتبع نظرية تيبلر.
سيكون هذا إنجازا هندسيا رائعا إلى حد كبير. أولا عليك أن تجد عشرة نجوم نيوترونية، ثم عليك سحبها إلى الموقع ذاته في الفراغ ثم لصقها معا من الأطراف، وفي الأخير عليك أن تجعلها تدور بسرعة تسمح لحافة الأسطوانة التي صنعتها بالتحرك في دائرة بسرعة تعادل نصف سرعة الضوء. سيكون قدر الطاقة المرتبطة بهذا الدوران هو نفس قدر طاقة الكتلة الساكنة للأسطوانة ( ). وعن ذلك يقول تيبلر: «هذه طاقة ضخمة للغاية حتى إن قوة الطرد المصاحبة لها يمكنها تدمير الجسم الدوار.» وفي حين تحاول الأسطوانة تدمير نفسها من الجانب، تحاول أيضا أن تنهار طوليا؛ وذلك بسبب قوة جذب النجوم النيوترونية العشرة التي تجذبها معا داخل ثقب أسود. والأمل الوحيد هنا هو وجود قوة طاقة لها من القوة ما يكفي للإمساك بالأسطوانة والقبض عليها بشدة.
المفاجأة أن قوة كهذه قد تكون موجودة. فهي خاصية لظاهرة غريبة تنبأ بها علم الكونيات، تدعى الوتر الكوني. والوتر الكوني - إن كان له وجود - هو بقايا مادية من نوع ما تخلفت من الانفجار العظيم، تشكل خيوطا تمتد عبر الكون، أو حلقات مغلقة كالشرائط المطاطية، إلا أن عرضها أقل بكثير من عرض الذرة. ولعل أفضل طريقة لتخيل الوتر الكوني هو تخيله كأنبوب متناهي الصغر (فيما يتعلق بقطره) يمتلئ بطاقة على حالة كالتي كان الكون عليها حين ولد. لا يمكن لهذه الأوتار أن يكون لها نهايات مفتوحة، وإلا تسربت منها الطاقة. لذا لا بد لها إما أن تشكل حلقات مغلقة، أو أن تمتد عبر الكون بأكمله. ورغم أن قطر الوتر أقل بكثير من قطر النواة الذرية، فإنه يحوي قدرا هائلا من الطاقة، حتى إن قطعة من ذلك الوتر يبلغ طولها مترا (في شكل حلقة) يمكن أن تزن نفس وزن كوكب الأرض.
Unknown page