Tisca Tasawwurat Can Zaman
تسعة تصورات عن الزمن: السفر عبر الزمن بين الحقيقة والخيال
Genres
هناك بالفعل نقص في الإنتروبيا (أي زيادة في صفة النظام) يحدث على الأرض، لكنه أقل بكثير من الزيادة في الإنتروبيا المرتبطة بالتفاعلات التي تجري داخل الشمس لتحافظ على سخونتها وطريقة إطلاقها للحرارة في الفضاء. وبمرور الوقت يتزايد معدل الإنتروبيا «للنظام» بأكمله، أي الشمس+ الأرض، وعلى أكبر المقاييس الممكنة تزيد إنتروبيا الكون بأكمله بمرور الوقت. بلغة الفيزيائيين، وبالنظر إلى الكون ككتلة واحدة، فإن حالات الكون ذات الإنتروبيا الأعلى تتفق مع المستقبل مقارنة مع حالاته ذات الإنتروبيا الأقل. هذا هو ما يقدم لنا سهما للزمن، ليشير من الماضي إلى المستقبل.
وهذا السهم الزمني نفسه مدمج في بنية الكون بطريقة أخرى. هناك وفرة من الأدلة على أن الكون قد بدأ في حالة ساخنة وكثيفة (الانفجار العظيم) قبل نحو 14 مليار سنة مضت، ومنذ ذلك الحين وهو في حالة تمدد مستمر، مع تباعد المجرات (أو بالأحرى عناقيد المجرات) بعضها عن بعض. والأوقات التي تتباعد فيها المجرات بعضها عن بعض تسير في اتجاه المستقبل، مقارنة مع الأوقات التي تتقارب فيها معا. والانفجار العظيم نفسه يعبر عن سهم الزمن المطلق؛ فمتى وأينما كنت في الفضاء، فإن الانفجار العظيم دائما ما يكون في الماضي. والإنتروبيا في ازدياد مستمر منذ وقوع الانفجار العظيم. فبطريقة ما، انبثق الكون من الانفجار العظيم بمعدل متدن من الإنتروبيا يكفي ليسمح بتكون النجوم والكواكب والبشر؛ وهو في حالة نفاد منذ ذلك الحين.
يرتبط ذلك بصيغة أخرى للتعبير عن القانون الثاني. تنص هذه الصيغة على أن الحرارة لا يمكن أن تتدفق من جسم بارد إلى جسم أكثر سخونة. وقد صاغه لورد كلفن - وهو من رواد الديناميكا الحرارية في القرن التاسع عشر - بلغة أكثر تقنية؛ إذ قال: «من المستحيل الحصول على تأثير ميكانيكي من أي جزء من المادة، بواسطة قوة مادية غير حية، من خلال تبريدها إلى ما دون درجة حرارة أبرد الأجسام المحيطة بها». كان هذا ضربا مهما من العلم العملي خلال القرن التاسع عشر، حين توصل كلفن إلى قوانين الديناميكا الحرارية بما فيها القانون الثاني. وقد كان اهتمام كلفن بالديناميكا الحرارية يعزو إلى أسباب مادية؛ فهي تخبرنا كم يمكننا الاستفادة من الطاقة للقيام بالشغل. وكان كلفن أيضا رائدا من رواد الهندسة الكهربائية؛ إذ تولى مهمة مد أول كابل تلغراف ناجح عابر للأطلسي، وجنى ثروة طائلة من وراء ذلك.
نحن نشاهد تطبيقا عمليا للقانون الثاني في كل مرة نضع فيها مكعبا من الثلج في مشروب. فنجد مكعب الثلج يذوب مع اكتسابه الحرارة بفعل سخونة السائل. ولا نرى مكعب الثلج يزداد حجما مع تدفق الحرارة منه إلى السائل الدافئ. إن مقدار الطاقة يظل كما هو في الكوب بعد ذوبان الثلج، إلا أنها توزعت على نحو أكثر توازنا. وبطريقة مماثلة، كان الكون في حالة تبريد منذ وقوع الانفجار العظيم، وثمة تدفق أحادي الاتجاه للطاقة من النجوم الساطعة إلى الكون البارد. في نهاية المطاف، حين تتخلى كل النجوم في الكون عن حرارتها، سيكون كل شيء في الكون بأكمله بدرجة الحرارة نفسها. لن تتدفق أي طاقة ولن يتغير أي شيء. أي سيكون الكون قد عانى «موتا حراريا». «لم ينجح أحد بعد في اشتقاق القانون الثاني من أي قانون آخر للطبيعة. إنه قانون قائم بذاته . إنه القانون الوحيد في حياتنا اليومية الذي يعطي الوقت اتجاها، والذي يخبرنا بأن الكون يتجه نحو التوازن، والذي يعطينا أيضا معيارا لتلك الحالة، تحديدا نقطة الإنتروبيا القصوى، أو نقطة الاحتمالية القصوى».
براين إل سيلفر، كتاب «صعود العلم»
يقدم لنا هذا طريقة أخرى للنظر إلى سهم الزمن. إن كمية الطاقة في نظام مغلق (أو في الكون بأكمله) لا يمكن أن تتغير. هذا هو القانون الأول للديناميكا الحرارية. حتى حين تتحول الكتلة إلى طاقة بما يتماشى مع معادلة أينشتاين ، فإن الكتلة تعد هنا شكلا من أشكال الطاقة المختزنة، ومن ثم لم تستحدث طاقة «جديدة». ما يخبرنا به القانون الثاني إذن هو أن كمية الطاقة «النافعة» تتناقص في أي تفاعل يجري في نظام مغلق.
والطاقة النافعة هي الطاقة التي يمكن استخدامها في إحداث الأشياء. على سبيل المثال، حين تسقط الكأس من فوق الطاولة، يمكن أن نصلها عموما بسير بكرة يقوم بتشغيل مولد ويحول طاقة الجاذبية المرتبطة بالكأس التي سقطت إلى طاقة كهربائية. لكن حين تسقط الكأس سقوطا حرا، تتحول هذه الطاقة الثقالية المحتمل أن تكون نافعة إلى طاقة حركة (أو طاقة حركية). وحين ترتطم الكأس بالأرض وتتهشم، تتحول الطاقة الحركية إلى حرارة وتتبدد؛ إذ ترتج ذرات الكأس والأرض وجزيئاتهما وتهتز بسرعة أكبر. وفي نهاية المطاف تتحول هذه الطاقة الحرارية إلى أشعة تحت الحمراء وتتسرب إلى الفضاء. ولا يمكن أبدا أن نجعلها تعمل عملا مفيدا. فلا يحدث مطلقا أننا نرى الإشعاع قادما من الفضاء ليجعل ذرات وجزيئات كل من الأرض وقطع الزجاج المكسور تتحرك بالشكل الصحيح بحيث تلتصق قطع الكأس الزجاجية المهشمة معا مرة أخرى وتقفز الكأس إلى الطاولة. وهذا تجسيد آخر لسهم الزمن.
ترتبط الإنتروبيا أيضا بكمية المعلومات في نظام ما. فزيادة الإنتروبيا هي نفسها نقصان في المعلومات. على سبيل المثال، في أحجية الصور المقطوعة التي تحتوي على صورة لوجه إنسان، يوجد الكثير من المعلومات في تلك الصورة. فإذا كانت الأحجية غير محكمة واهتزت، فإن أجزاء الصورة تبدأ في التباعد بعضها عن بعض . يظل بإمكاننا أن ندرك أن الصورة لوجه إنسان، لكن تزداد صعوبة تحديد هوية صاحب هذا الوجه. فنحن هنا نفقد المعلومات. والإنتروبيا تزداد. والوقت يمر.
وفي النهاية تصبح الصورة في حالة تامة من الفوضى والاختلاط. ففي هذه الحالة يصبح معدل الإنتروبيا أكبر ما يمكن (على مستوى النظام)، ولا توجد ثمة معلومات متبقية. كما أن الوقت يكون قد توقف بالنسبة إلى الصورة. وقياسا على ذلك، حين تكون كل النجوم قد تخلت عن حرارتها بالكامل وتكون درجة حرارة الكون هي نفسها في كل مكان، سيكون الكون في حالة إنتروبيا قصوى، وذلك في نهاية الزمن.
يمكن إعادة تركيب قطع الأحجية، وذلك بإعادة إدخال المعلومات (وإخراج الإنتروبيا) قطعة بقطعة. لكن النظام الذي تصنعه دائما ما يكون أقل من الفوضى التي تصنعها في مكان آخر فقط بكونك حيا. إن الطاقة التي تبقيك حيا تأتي من الطعام، الذي يأتي في النهاية من ضوء الشمس. وليس بوسع الناس سوى حل أحاجي الصور المقطوعة، وأشياء أخرى؛ لأن الشمس آخذة في التآكل والتلاشي.
Unknown page