حمل سيد حذاءه في يده ومضى يبحث حوله عن شبشب، وعندما لم يجد صاح: «ماما .. أين الشبشب؟»
ففي الثانية والأربعين كان سيد ما زال عاجزا عن تحديد المكان الذي يترك فيه أشياءه المختلفة قبل أن يغادر المنزل في الصباح.
وردت الأم من المطبخ: «عندك يا حبيبي. في نفس المكان الذي تركته فيه.»
وقال العجوز وهو يبسط الجريدة ويتأمل العناوين الكبيرة: «ربما كان في حجرتك.»
مضى سيد حافيا إلى حجرته ووجد الشبشب بجوار الباب. أكمل خلع ملابسه أمام مرآة الدولاب الكبيرة التي أظهرت وجهه معوجا كالعهد بها دائما. لكن نعومة بشرته وخلو ذقنه من أثر لشعرة واحدة كان واضحا على سطحها. ولولا قليل من الشحوب لأخطأه الرائي - وهو ما كان يحدث كثيرا - وظنه في العشرين.
جذب مصراع الدولاب ليعلق ملابسه في الشماعة، ثم تناول بيجامته التي ألقى بها على مقعد الصباح دون أن يطويها، وجعل يرتديها.
كان يستخدم هذه الحجرة في تغيير ملابسه وحسب؛ فهو يقضي الوقت كله في الغرفة الأخرى. وعندما مرضت الأم زمنا طويلا شرع ينام في الفراش الثالث بمواجهتها، وهو الفراش الذي كان خاصا بأخته فادية قبل أن تتزوج. ولم تكد تشفى حتى مرض الأب، فظل سيد ينام في فراش أخته، وفي النهاية استقر في فراشها بصفة دائمة.
أتاه صوت أمه من المطبخ بعد أن فرغ من ارتداء بيجامته: «سيد، الصحون يا حبيبي.»
تحول إلى جهاز الراديو القديم وأداره، وانتظر حتى صدر عنه صوت متقطع أشبه بسعال رجل عجوز، واطمأن معه إلى أن الراديو ليس معطلا، فمضى إلى المطبخ.
كانت أمه منحنية فوق إناء الطعام المستقر فوق الموقد، وقد تجمعت بضع حبات من العرق فوق شاربها الواضح. تحولت إليه وسألته: «هل أحضرت السمن؟»
Unknown page