فأجاب الفارس: «سيدي العظيم، لا أستطيع في هذا الأمر كذلك أن أصدع بما تريد، فلقد أمرت أن ألزم هذه الراية حتى مطلع الفجر؛ ولذا فإني ألتمس منك أن تعذرني في هذا الشأن كذلك .»
وبعدما أتم حديثه استأنف مسيره فوق الجبل، ولكن القزم لم يطق أن يدعه يفلت من لجاجته بتلك السهولة.
فقال وقد وقف قبالة السير كنث كي يعترض سيبله: «استمع إلي، إما أطعتني يا سيدي الفارس كما يحتم عليك واجبك، أو أمرتك باسم تلك التي تستطيع بجمالها أن تستنزل الجن من عالمه، وبجلالها أن تسيطر على هذه المخلوقات الخالدة بعد هبوطها من عليائها.»
فخطر للفارس خاطر وحشي بعيد الاحتمال، ولكنه كبته ورده عن نفسه، وظن أن من المحال أن ترسل إليه غادة قلبه وهواه رسالة كهذه على لسان رسول كهذا. ومع ذلك فقد أجاب وفي صوته رعشة وقال: «اذهب عني يا نكتبانس. خبرني على الفور وأصدقني القول، هل هذه السيدة الكريمة التي تتحدث عنها امرأة غير الحوراء التي رأيتها تعاونك وأنت تكنس معبد عين جدة؟»
فأجاب القزم قائلا: «ما هذا أيها الفارس المدعي! أفتظن أن السيدة التي عقدنا بها حبنا الملكي، شريكة عظمتنا، ورفيقة جلالتنا، تستذل نفسها وتتعلق بتابع مثلك؟ كلا، إن شرفك لعظيم، ولكنك لست بعد جديرا برضى الملكة «جنفرا»
3
عروس آرثر الحسناء التي تعتلي مقعدا مرتفعا فيبدو لها الناس قاطبة، حتى أمراؤهم، أقزاما؛ ولكن، انظر إلي، إن كنت تعرف هذه الشارة أو تنكرها فلتطع أمر صاحبتها أو اعصه، ذلك الأمر الذي تعطفت بفرضه عليك.»
وبعدما أتم حديثه، وضع بين يدي الفارس خاتما من ياقوت، فاستطاع الرجل أن يتعرف في لمحة - حتى في ضياء القمر - أنه ذلك الذي يتحلى به عادة إصبع السيدة ذات الأصل الكريم، التي كرس نفسه لخدمتها. ولو كان له أن يرتاب في صدق الشارة لاستيقن من الوشاح الصغير المعقود ذي اللون القرنفلي، الذي كان مربوطا إلى الخاتم، فذلك كان اللون الرغيب إلى نفس سيدة قلبه. وكم من مرة عمل على أن ينتصر القرنفل على كل ما عداه من ألوان في حلبة المصارعة أو ميدان القتال، مدعيا أن ذلك اللون هو لون حاشيته وأتباعه.
وحقا لقد صعق السير كنث، وأوشك أن يخرس حينما رأى هذه الشارة بين تلك اليد.
فقال الفارس: «باسم كل ما تقدس، خبرني ممن أخذت هذا الشاهد؟ ناشدتك الله أن تجمع - إن استطعت - ذهنك الشارد لحظة أو لحظتين، وأن تكون ثابتا رزينا، وتحدثني شيئا عمن أرسلتك، وعن حقيقة الغرض من رسالتك، وحاذر فيما تقول، فليس هذا مجال المجون.»
Unknown page