وكان يأكل الخبز مأدوما إذا وجد له إداما، فتارة بأدم باللحم وتارة بالبطيخ وتارة بالتمر، ووضع تمرة على كسرة، وقال: هذا إدام هذه، وفي هذا من تدبير الغذاء أن خبز الشعير بارد يابس والتمر حار رطب على أصح القولين - فأدم خبز الشعير به من أحسن التدبير، وتارة بالخل ويقول: نعم الإدام الخل. وهذا ثناء عليه بحسب مقتضى الحال الحاضر لا تفضيل له على غيره، والمقصود أن أكل الخبز مأدوما من أسباب حفظ الصحة بخلاف الاقتصار على أحدهما وحده.
وكان يأكل من فاكهة بلده عند مجيئها ولا يحتمي عنها، وهذا أيضا من أكبر أسباب حفظ الصحة، فإن الله سبحانه -بحكمته- جعل في كل بلد من الفاكهة ما ينتفع به أهلها في وقته فيكون تناوله من أسباب صحتهم وعافيتهم ويغني عن كثير من الأدوية، وقل من احتمى عن فاكهة بلده: خشية السقم، إلا وهو من أسقم الناس جسما، وأبعدهم من الصحة والقوة. وما في تلك الفاكهة من الرطوبات، فحرارة الفصل والأرض وحرارة المعدة تنضجها وتدفع بشرب الماء عليها وتناول الغذاء بعد التحلي منها، فإن القولنج كثيرا ما يحدث عند ذلك. فمن أكل منها ينبغي في الوقت الذي ينبغي، على الوجه الذي ينبغي: كانت له دواء نافعا.
ولم يكن صلى الله عليه وسلم يأكل طعاما في وقت شدة حرارته ولا طبيخا بائتا يسخن له بالغد ولا جمع بين غذائين.
قال: وأما هديه صلى الله عليه وسلم في هيئة الجلوس للأكل فذكر أنه كان يجلس للأكل متكيا متوركا على ركبتيه ويضع بطن قدمه اليسرى على ظهر قدمه اليمنى.
Page 85