205

Tibb Nabawi

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Publisher

دار الهلال

Edition Number

-

Publisher Location

بيروت

الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ، وَلْيَطْرَحْ نَفْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى بَابِهِ، مُسْتَغِيثًا بِهِ، مُتَضَرِّعًا، مُتَذَلِّلًا، مُسْتَكِينًا، فَمَتَى وُفِّقَ لِذَلِكَ، فَقَدْ قَرَعَ بَابَ التَّوْفِيقِ، فَلْيَعِفَّ وَلْيَكْتُمْ، وَلَا يُشَبِّبْ بِذِكْرِ الْمَحْبُوبِ، وَلَا يَفْضَحْهُ بَيْنَ النَّاسِ وَيُعَرِّضْهُ لِلْأَذَى، فَإِنَّهُ يَكُونُ ظالما معتديا. وَلَا يَغْتَرَّ بِالْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الذي رَوَاهُ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ، عَنْ أبي يحيى القتات، عَنْ مجاهد، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ أَيْضًا، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عائشة، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، وَرَوَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمَاجِشُونِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مجاهد، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ عَشِقَ، فَعَفَّ، فَمَاتَ فَهُوَ شَهِيدٌ» وَفِي رِوَايَةٍ: «مَنْ عَشِقَ وَكَتَمَ وَعَفَّ وَصَبَرَ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ» «١» . فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَصِحُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِهِ، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ دَرَجَةٌ عَالِيَةٌ عِنْدَ اللَّهِ، مَقْرُونَةٌ بِدَرَجَةِ الصِّدِّيقِيَّةِ، وَلَهَا أَعْمَالٌ وَأَحْوَالٌ، هِيَ شَرْطٌ فِي حُصُولِهَا، وَهِيَ نَوْعَانِ: عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ، فَالْخَاصَّةُ: الشَّهَادَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. وَالْعَامَّةُ خَمْسٌ مَذْكُورَةٌ فِي «الصَّحِيحِ» «٢» لَيْسَ الْعِشْقُ وَاحِدًا مِنْهَا. وَكَيْفَ يَكُونُ الْعِشْقُ الَّذِي هُوَ شِرْكٌ فِي الْمَحَبَّةِ، وَفَرَاغُ الْقَلْبِ عَنِ اللَّهِ، وَتَمْلِيكُ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ، وَالْحُبُّ لِغَيْرِهِ تُنَالُ بِهِ دَرَجَةُ الشَّهَادَةِ، هَذَا مِنَ الْمُحَالِ، فَإِنَّ إِفْسَادَ عِشْقِ الصُّوَرِ لِلْقَلْبِ فَوْقَ كُلِّ إِفْسَادٍ، بَلْ هُوَ خَمْرُ الرُّوحِ الَّذِي يُسْكِرُهَا، وَيَصُدُّهَا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَحُبِّهِ، وَالتَّلَذُّذِ بِمُنَاجَاتِهِ، وَالْأُنْسِ بِهِ، وَيُوجِبُ عُبُودِيَّةَ الْقَلْبِ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ قَلْبَ الْعَاشِقِ مُتَعَبِّدٌ لِمَعْشُوقِهِ، بَلِ الْعِشْقُ لُبُّ الْعُبُودِيَّةِ، فَإِنَّهَا كَمَالُ الذُّلِّ، وَالْحُبِّ

(١) أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه. (٢) والعامة خمس مذكورة في الصحيح: في البخاري: «الشهداء خمسة: المطعون والفرق وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله.

1 / 207