173

Tibb Nabawi

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Publisher

دار الهلال

Edition Number

-

Publisher Location

بيروت

الَّتِي تَتِمُّ بِهَا مَصْلَحَةُ الشَّارِبِ، فَإِنَّ الشُّرْبَ مِنْ ثُلْمَةِ الْقَدَحِ فِيهِ عِدَّةُ مَفَاسِدَ: أَحَدُهَا: أَنَّ مَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ مِنْ قَذًى أَوْ غَيْرِهِ يَجْتَمِعُ إِلَى الثُّلْمَةِ بِخِلَافِ الْجَانِبِ الصَّحِيحِ. الثَّانِي: أَنَّهُ رُبَّمَا شَوَّشَ عَلَى الشَّارِبِ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ حُسْنِ الشُّرْبِ مِنَ الثُّلْمَةِ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْوَسَخَ وَالزُّهُومَةَ تَجْتَمِعُ فِي الثُّلْمَةِ، وَلَا يَصِلُ إِلَيْهَا الْغَسْلُ، كَمَا يَصِلُ إِلَى الْجَانِبِ الصَّحِيحِ. الرَّابِعُ: أَنَّ الثُّلْمَةَ مَحَلُّ الْعَيْبِ فِي الْقَدَحِ، وَهِيَ أَرْدَأُ مَكَانٍ فِيهِ، فَيَنْبَغِي تَجَنُّبُهُ، وَقَصْدُ الْجَانِبِ الصَّحِيحِ، فَإِنَّ الرَّدِيءَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَرَأَى بَعْضُ السَّلَفِ رَجُلًا يَشْتَرِي حَاجَةً رَدِيئَةً، فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ نَزَعَ الْبَرَكَةَ مِنْ كُلِّ رَدِيءٍ. الْخَامِسُ: أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ فِي الثُّلْمَةِ شَقٌّ أَوْ تَحْدِيدٌ يَجْرَحُ فَمَ الشَّارِبِ، وَلِغَيْرِ هَذِهِ مِنَ الْمَفَاسِدِ. وَأَمَّا النَّفْخُ فِي الشَّرَابِ، فَإِنَّهُ يُكْسِبُهُ مِنْ فَمِ النَّافِخِ رَائِحَةً كَرِيهَةً يُعَافُ لِأَجْلِهَا، وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مُتَغَيِّرَ الْفَمِ. وَبِالْجُمْلَةِ: فَأَنْفَاسُ النَّافِخِ تُخَالِطُهُ، وَلِهَذَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ النَّهْيِ عَنِ التَّنَفُّسِ فِي الْإِنَاءِ وَالنَّفْخِ فِيهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الترمذي وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵁، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يُتَنَفَّسَ فِي الْإِنَاءِ، أَوْ يُنْفَخَ فِيهِ «١» . فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِمَا فِي «الصَّحِيحَيْنِ» . مِنْ حَدِيثِ أنس، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا؟ قِيلَ: نُقَابِلُهُ بِالْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ، وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي شُرْبِهِ ثَلَاثًا، وَذَكَرَ الإناء لأنه آلة

(١) أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد.

1 / 175