159

Tibb Nabawi

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Publisher

دار الهلال

Edition Number

-

Publisher Location

بيروت

وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهُ: مَا أَسْأَلُ اللَّهَ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ؟ فَقَالَ: «سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ»، فَأَعَادَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ: «سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» . وَإِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَ الْعَافِيَةِ وَالصِّحَّةِ، فَنَذْكُرُ مِنْ هَدْيِهِ ﷺ فِي مُرَاعَاةِ هَذِهِ الْأُمُورِ مَا يَتَبَيَّنُ لِمَنْ نَظَرَ فِيهِ أَنَّهُ أَكْمَلُ هَدْيٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ يَنَالُ بِهِ حِفْظَ صِحَّةِ الْبَدَنِ وَالْقَلْبِ، وَحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. فَصْلٌ فَأَمَّا الْمَطْعَمُ وَالْمَشْرَبُ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ ﷺ حَبْسُ النَّفْسِ عَلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنَ الْأَغْذِيَةِ لَا يَتَعَدَّاهُ إِلَى مَا سِوَاهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالطَّبِيعَةِ جِدًّا، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا أَحْيَانًا، فَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ غَيْرَهُ، ضَعُفَ أَوْ هَلَكَ، وَإِنْ تَنَاوَلَ غَيْرَهُ، لَمْ تَقْبَلْهُ الطَّبِيعَةُ، وَاسْتَضَرَّ بِهِ، فَقَصَرَهَا عَلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ دَائِمًا- وَلَوْ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَغْذِيَةِ- خَطَرٌ مُضِرٌّ. بَلْ كَانَ يَأْكُلُ مَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ بِأَكْلِهِ مِنَ اللَّحْمِ، وَالْفَاكِهَةِ وَالْخُبْزِ، وَالتَّمْرِ، وَغَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي هَدْيِهِ فِي الْمَأْكُولِ، فَعَلَيْكَ بِمُرَاجَعَتِهِ هُنَاكَ. وَإِذَا كَانَ فِي أَحَدِ الطَّعَامَيْنِ كَيْفِيَّةٌ تَحْتَاجُ إِلَى كَسْرٍ وَتَعْدِيلٍ، كَسَرَهَا وَعَدَلَهَا بِضِدِّهَا إِنْ أَمْكَنَ، كَتَعْدِيلِ حَرَارَةِ الرُّطَبِ بِالْبِطِّيخِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ، تَنَاوَلَهُ عَلَى حَاجَةٍ وَدَاعِيَةٍ مِنَ النَّفْسِ مِنْ غَيْرِ إِسْرَافٍ، فَلَا تَتَضَرَّرُ بِهِ الطَّبِيعَةُ. وَكَانَ إِذَا عَافَتْ نَفْسُهُ الطَّعَامَ لَمْ يَأْكُلْهُ، وَلَمْ يُحَمِّلْهَا إِيَّاهُ عَلَى كُرْهٍ وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي حِفْظِ الصِّحَّةِ، فَمَتَى أَكَلَ الْإِنْسَانُ مَا تَعَافُهُ نَفْسُهُ، وَلَا يَشْتَهِيهِ، كَانَ تَضَرُّرُهُ بِهِ أَكْثَرَ مِنِ انْتِفَاعِهِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ» : مَا عَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ طَعَامًا قط، إن

(١) أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وأحمد.

1 / 161