154

Tibb Nabawi

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Publisher

دار الهلال

Edition Number

-

Publisher Location

بيروت

الصَّلَاةِ شِفَاءً» «١» . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ لمجاهد، وَهُوَ أَشْبَهُ. وَمَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ بِالْفَارِسِيِّ: أَيُوجِعُكَ بَطْنُكَ؟. فَإِنْ لَمْ يَنْشَرِحْ صَدْرُ زِنْدِيقِ الْأَطِبَّاءِ بِهَذَا الْعِلَاجِ، فَيُخَاطَبَ بِصِنَاعَةِ الطِّبِّ، وَيُقَالَ لَهُ: الصَّلَاةُ رِيَاضَةُ النَّفْسِ وَالْبَدَنِ جَمِيعًا، إذا كَانَتْ تَشْتَمِلُ عَلَى حَرَكَاتٍ وَأَوْضَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنَ الِانْتِصَابِ، وَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَالتَّوَرُّكِ، وَالِانْتِقَالَاتِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَوْضَاعِ الَّتِي يَتَحَرَّكُ مَعَهَا أَكْثَرُ الْمَفَاصِلِ، وَيَنْغَمِزُ مَعَهَا أَكْثَرُ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ، كَالْمَعِدَةِ، وَالْأَمْعَاءِ، وَسَائِرِ آلَاتِ النَّفْسِ، وَالْغِذَاءِ، فَمَا يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ فِي هَذِهِ الْحَرَكَاتِ تَقْوِيَةٌ وَتَحْلِيلٌ لِلْمَوَادِّ، وَلَا سِيَّمَا بِوَاسِطَةِ قُوَّةِ النَّفْسِ وَانْشِرَاحِهَا فِي الصَّلَاةِ، فَتَقْوَى الطَّبِيعَةُ، فَيَنْدَفِعُ الْأَلَمُ، وَلَكِنْ دَاءُ الزَّنْدَقَةِ وَالْإِعْرَاضِ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَالتَّعَوُّضِ عَنْهُ بِالْإِلْحَادِ دَاءٌ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ إِلَّا نَارٌ تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى. وَأَمَّا تَأْثِيرُ الْجِهَادِ فِي دَفْعِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ، فَأَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالْوِجْدَانِ، فَإِنَّ النَّفْسَ مَتَى تَرَكَتْ صَائِلَ الْبَاطِلِ وَصَوْلَتَهُ وَاسْتِيلَاءَهُ، اشْتَدَّ هَمُّهَا وَغَمُّهَا، وَكَرْبُهَا وَخَوْفُهَا، فَإِذَا جَاهَدَتْهُ لِلَّهِ أَبْدَلَ ذَلِكَ الْهَمَّ وَالْحُزْنَ فَرَحًا وَنَشَاطًا وَقُوَّةً، كَمَا قَالَ تَعَالَى: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ «٢» . فَلَا شَيْءَ أَذْهَبُ لِجَوَى الْقَلْبِ وَغَمِّهِ وَهَمِّهِ وَحُزْنِهِ مِنَ الْجِهَادِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ. وَأَمَّا تَأْثِيرُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فِي دَفْعِ هَذَا الدَّاءِ، فَلِمَا فِيهَا مِنْ كَمَالِ التَّفْوِيضِ وَالتَّبَرِّي مِنَ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ إِلَّا بِهِ، وَتَسْلِيمِ الْأَمْرِ كُلِّهِ لَهُ، وَعَدَمِ مُنَازَعَتِهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَعُمُومُ ذَلِكَ لِكُلِّ تَحَوُّلٍ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، وَالْقُوَّةِ عَلَى ذَلِكَ التَّحَوُّلِ، وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، فَلَا يَقُومُ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ شَيْءٌ. وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ: إِنَّهُ مَا يَنْزِلُ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهَا إِلَّا بِلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَلَهَا تَأْثِيرٌ عجيب في طرد الشيطان، والله المستعان.

(١) رواه ابن ماجه في الطب، والإمام أحمد. (٢) التوبة- ١٤- ١٥

1 / 156