Thumma Tashruq Shams

Tharwat Abaza d. 1423 AH
85

Thumma Tashruq Shams

ثم تشرق الشمس

Genres

وبهت يسري من الإجابة، وما لبث أن قال في لعثمة: نعم. - أترضى لي ذلك؟ - ماذا؟ - أن أكون مرءوسك. - وهل تعتقد أنني سأكون رئيسا حقا؟ - وهذا أدهى، سأجعلك بين أمرين لا أرضاهما، إما أن تكون رئيسا حقا وهذا لا أحبه لنفسي ، أو لا تكون رئيسا حقا، وهذا لا أحبه لك. - يا آبيه خيري إنها فرصة، وقد تستطيع أن توفر منها مبلغا ينفعك في مشروعك الذي تنتويه. - إن كان مشروعي سيجعلني أفعل ما لا أرضاه، فإني سأنصرف عنه. - يا آبيه خيري إنه مشروع عظيم. - ألم أقل لك إنك ستراه كاملا قائما بينما هو لا يزيد عن مجرد أمل في نفسي. - وهل الأمل شيء بسيط؟ أليست الآمال هي التي تحدد خطوط سيرنا في الحياة؟ - الآمال أهداف وأخلاقنا وتركيب نفوسنا هي التي توجهنا في الطريق. إن طريقا لا ترضاه أخلاقي طريق لا أسيره، وإن لم يكن غيره مؤديا إلى هدفي، هكذا أنا، هكذا ركبت نفسي منذ كنت صغيرا حتى الآن، لا أظن أنني قادر على تغيير نفسي. - كنت أظن يا آبيه خيري أن مثاليتك لا تستطيع الصمود أمام الحقيقة، نعم أعرف ما فعلته مع عزت باشا في أول حياتك، ولكنني خيل لي أنك مع مرور الأيام أسفت على ما كان منك، وخيل لي أنك قد تلين أمام المنفعة إذا كانت ماثلة أمامك بلا أوهام ولا خيالات، ولكن للأسف ما زلت تتحدث عن الأخلاق والمثالية، والتعفف والقناعة حتى أصبحت تطبقها في حياتك أيضا ولا تكتفي بها في أحاديثك. - عجيبة يا يسري، أكنت تظن أن آرائي مجرد كلام فقط؟ - كنت أظن أن الحياة علمتك أكثر مما فعلت.

وضحك خيري ضحكة صغيرة فيها بعض سخرية وقال: لا عليك يا يسري، أمرك إلى الله، ربنا بلاك بأخ عقله فارغ، تحمل.

وسارع يسري يقول وقد احمر وجهه خجلا: العفو، أنا لم أقل هذا. - لم تقله ولكنك تعتقده، لا عليك ولكن اسمع، أنا أشكرك، فإن وفاءك لي وحرصك الدائم على أن تقدم لي ما تظنه خيرا أمر أحبه فيك وأكبره، وهو أيضا يطمئنني أنك يوما ما ستعرف أن ما آخذ به نفسي ليس مثالية ولا أوهام تقاليد بالية، ويجعلني أيضا آمل أنك في يوم ما سترى الدنيا شيئا آخر غير المال يستحق أن نحيا له.

وأطرق يسري هنيهة وقد تأثر بحديث أخيه واختلج قلبه بعواطف الحب له، وإن كان عقله لم يعفه من الإلحاح عليه أن هذا اليوم لن يأتي، وأن اليوم الذي قد يأتي هو يوم يعلم أخوه القيمة الحقيقية التي يحتلها المال في الحياة.

الفصل الخامس والثلاثون

كان يسري جالسا بمكتبه بالشركة حين دلف إلى المكتب سكرتيره ينبئه أن بالخارج صديقه صبحي الملواني. وقال يسري في لهفة: دعه يدخل.

ثم سارع يقول في نفس اللهفة: بل اجعله ينتظر قليلا.

فقد ومض في ذهنه خاطر سريع لا يدري مأتاه، لقد أحب أن يشعر زميل دراسته بالفارق الذي أصبح بينهما، وخرج السكرتير لم يبد ملاحظة ولم يشغل ذهنه باللهفة التي أرسلت رئيسه سامحا في دخول الزائر، ثم اللهفة التي أتبعتها في أن يتريث به، لم يفكر فليس من عمله أن يفكر وإنما عليه أن يسمع فيطيع، وقد سمع وأطاع وخرج. ولبث يسري يتشاغل بالأوراق التي أمامه بعض الحين، ولم يطل به التشاغل، فقد دق التليفون المجاور له وإذا هي دولت تخبره أن جميلا ووفية سيصحبان فايزة إلى السينما، وأنهم يسألونه إن كان يريد أن يرافقهم ليشتروا له تذكرة، فيسألها: وأنت هل تذهبين؟ - لا. - إذن فأخبريهم أنني سأتأخر في الشركة ولا أستطيع صحبتهم. - ومتى تجيء؟ - في الساعة الرابعة.

وانتهت المكالمة، ولكن التليفون الآخر الذي يصل حجرات الشركة بعضها ببعض دق، فرفع يسري السماعة ليصله صوت حامد يطلب إليه أن يجيء إلى مكتبه.

وفكر يسري أن يمضي إلى حامد دون أن يلقى صديقه صبحي، ولكنه خشي أن تطول غيبته وينصرف صبحي ففضل أن يراه واقفا. لم يغب عن ذهنه ما في هذه المقابلة الواقفة من إظهار مدى مشاغله ومن أثر هذا في نفس زميل الدراسة.

Unknown page