سلسلة أعمال حديثية
تنشر لأول مرة (٢)
الثقات
ممن لم يقع في الكتب الستة
تصنيف الحافظ
زين الدين قاسم بن قُطْلُوبُغَا الحَنَفِي
المتوفى سنة ٨٧٩هـ
يُنشر لأول مرة على نسخة خطية فريدة
بخطِّ الحافظ شمس الدين السَّخاوي
المتوفى سنة ٩٠٢هـ
دراسة وتحقيق
شادي بن محمد بن سالم آل نعمان
المجلد الأول
(مقدمة المحقق-أحمد)
Unknown page
المقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فبين يديك أخي القارئ الكريم أحد أهم أعمال مشروعنا الذي أطلقنا عليه اسم «مشروع سلسلة أعمال حديثية تنشر لأول مرة»، عمدنا فيه إلى إخراج كنوز تراثية لا تزال قابعة في عالم «ألَّا مطبوع»، فنزيح عنها-بحول الله وقوته- غبار الزمان، ونكشف الستار عن مكنونها وخباياها، لنخرجها إلى عالم «المطبوع» في حُلَّةٍ قشيبة-بعون الله وتوفيقه- ليعم الانتفاع بها بين أهل العلم وطلابه.
أما المجموعة الأولى من أعمال هذه السلسلة فهي:
١ - «قضاء الوطر من نزهة النظر» للَّقاني المالكي، طبع عن المكتبة الأثرية بالأردن في ثلاثة مجلدات.
٢ - «الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة» وهو الذي بين يديك.
٣ - «التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل» للحافظ ابن كثير، وقد وَصَلَنا القسم الأخير منه، يصدر قريبًا بإذن الله في ثلاثة مجلدات.
٤ - «تجريد الأسماء والكنى» للفراء، يصدر قريبًا بإذن الله في مجلد.
٥ - «شرح ألفية العراقي» للعيني، يصدر قريبًا بإذن الله في مجلد، ومعه:
1 / 1
٦ - «فتح اللطيف على قسم الضعيف» [من ألفية العراقي] للمجدولي المالكي.
٧ - «شرح الأجهوري على قسم الضعيف» [من ألفية العراقي].
٨ - «مفتاح السعيدية في شرح الألفية الحديثية» لابن عمار المالكي، يصدر قريبًا بإذن الله في مجلد.
٩ - «بهجة المحافل وأجمل الوسائل في التعريف برواة الشمائل» للقاني المالكي، يصدر قريبًا بإذن الله في مجلد.
١٠ - «ذيل لب اللباب في الأنساب» لابن العجمي، يصدر قريبًا بإذن الله في مجلد.
١١ - «مناهج الهداية لمعالم الرواية» للقسطلاني، وهو شرح له على منظومة ابن الجزري في المصطلح، يصدر قريبًا بإذن الله في مجلد.
وأنا أعمل بِجِدٍّ في هذا المشروع بإزاء مشروعي الآخر «موسوعة العلامة الألباني» والذي صدر منه العمل الأول «جامع تراث الألباني في العقيدة» في تسعة مجلدات، سائلًا المولى ﷿ أن يُنْعِم عليِّ بالأسباب المعينة على إنجاز هذه الأعمال وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتي يوم ألقاه.
وكما عودنا الإخوة القُرَّاء فقد قدمنا لكتاب «الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة» بدراسةٍ حول الكتاب ومنهج مؤلفه فيه، ومن ثَمَّ الكلام على المنهج الذي ارتضيناه في تحقيقه، والله من وراء القصد.
وكتب
شادي بن محمد بن سالم آل نعمان
في صنعاء اليمن حرسها الله
في يوم الجمعة ٢٧/ ١٢/١٤٣١هـ
الموافق ٣/ ١٢/٢٠١٠م
1 / 2
شكر وعرفان
يَسُرُّني في هذا المقام أن أتقدم بالشكر لِكُلِّ مَنْ كانت له يدٌ من قريب أو من بعيد في إخراج هذا العمل الكبير، فأتوجه بالشكر إلى:
- الأخ الفاضل والصديق الكريم أبي إسحاق طارق بن مصطفى التطواني المغربي الذي تكرم بالتوسُّط في تصوير النسخة الخطيَّة للكتاب من موضعها الأصلي بتركيا -أسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناته-.
- وإلى الأخ الفاضل فؤاد عقيل الزيلعي الذي قام على صَفِّ وإخراجِ الكتاب، كما استعنتُ به في إعداد الفهارس العلمية للكتاب، وبعض مواضع المقدمة -جزاه الله خيرًا-.
- وإلى الأخ الفاضل فهد علي صالح اللحجي الذي شاركني في مراجعة الكتاب.
- وإلى الإخوة الأفاضل حسن علي عيسى الزيلعي وحفظ الله الزيلعي اللَّذَين شارَكَا في مرحلة المُقَابلة بالأصل المخطوط -جزاهما الله خيرًا-.
ولا يشكر الله من لا يشكر الناس، والحمد لله رب العالمين.
1 / 3
أولًا:
مقدمة الدراسة
1 / 4
الباب الأول
ترجمة المصنِّف (١)
اسمه ونسبه ولقبه وكنيته:
هو: قاسم بن قُطْلُوبُغا بن عبد الله السُّودوني، الجَمالي، المصري، الحنفي.
لقبه: «زين الدين» أو «الزين»، وربما لُقِّبَ «الشَّرَف».
كنيته: أبو العدل.
ونسبته: السودوني، وهي نسبة لمُعتق أبيه سودون الشيخوني نائب السَّلْطنة في ذلك العصر.
مولده ونشأته:
ولد الحافظ ابن قطلوبغا في المحرم سنة اثنتين وثمانمائة بالقاهرة.
ومات أبوه وهو صغير، فنشأ يتيمًا، وحفظ القرآن وكتبًا عرض بعضها على
_________
(١) مصادر ترجمته: «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع»: (٦/ ١٨٤ - ١٩٠، ٢٢٣) و«البدر الطالع»: (٢/ ٤٥ - ٤٧) و«شذرات الذهب»: (٧/ ٣٢٦) و«بدائع الزهور»: (٣/ ٦٧) و«عنوان الزمان»: (٢/ ٤٧٠) و«الفوائد البهية»: (ص٩٩) و«فهرس الفهارس»: (٢/ ٩٧٢) و«الأعلام»: (٥/ ١٨٠) و«معجم المؤلفين»: (٢/ ٦٤٨) و«هدية العارفين»: (١/ ٨٣٠) و«معجم المطبوعات»: (١/ ٢١٦) و«تاريخ الأدب العربي»: (٦/ ٣٢١).
1 / 5
العز بن جماعة، وتكسب بالخياطة وقتًا، وبرع فيها.
طلبه للعلم وشيوخه:
-أقبل الحافظ ابن قطلوبغا على الاشتغال مبكرًا، فسمع تجويد القرآن على «الزراتيتي».
- وبعض التفسير على «العلاء البخاري».
- وأخذ علوم الحديث عن «التاج أحمد الفرغاني النعماني» قاضي بغداد، و«الحافظ ابن حجر».
- والفقه وأصوله عن «السراج»، و«المجد الرومي»، و«النظام السيرامي»، و«العز عبد السلام البغدادي»، و«عبد اللطيف الكرماني»، و«العلاء البخاري»، و«الشرف السبكي».
- وأصول الدين عن «العلاء»، و«البسطامي»، وكذا قرأ على «السعد بن الديري» في سنة اثنتين وثلاثين شرحه لـ «عقائد النسفي».
- والفرائض والميقات عن «ناصر الدين البارنباري» وغيره، واستمد فيها وفي الحساب كثيرًا بالسيد علي تلميذ ابن المجدي.
- والعربية عن العلاء، والتاج، والمجد، والسبكي.
- والصرف عن البسطامي.
- والمعاني والبيان عن العلاء، والنظام، والبسطامي.
- والمنطق عن السبكي.
- وبعضهم في الأخذ عنه أكثر من بعض.
1 / 6
- واشتدت عنايته بملازمة ابن الهمام بحيث سمع عليه غالب ما كان يقرأ عنده في هذه الفنون وغيرها، وذلك من سنة خمس وعشرين حتى مات، وكان معظم انتفاعه به ومما قرأه عليه الربع الأول من «شرحه للهداية» وقطعة من «توضيح صدر الشريعة» وجميع «المسايرة» من تأليفه.
- وطلب الحديث بنفسه يسيرًا فسمع على الحافظ ابن حجر، وابن الجزري، والشهاب الواسطي، والزين الزركشي، والشمس بن المصري، والبدر حسين البوصيري، وناصر الدين الفاقوسي، والتاج الشرابيشي، والتقي المقريزي، وعائشة الحنبلية، والطبقة.
- ونظر في كتب الأدب ودواوين الشعر فحفظ منها شيئًا كثيرًا.
رحلاته:
- ارتحل الحافظ ابن قطلوبغا مع شيخه التاج النعماني إلى الشام بحيث أخذ عنه «جامع مسانيد أبي حنيفة» للخوارزمي، و«علوم الحديث» لابن الصلاح، وغيرهما، وأجاز له في سنة ثلاث وعشرين.
- وكذا دخل إسكندرية وقرأ بها على الكمال بن خير، وقاسم التروجي.
- وحَجَّ غير مرة.
- وزار بيت المقدس.
تصديه للتدريس والإفتاء، ونبذة عن تلاميذه:
- تصدى الحافظ ابن قطلوبغا للتدريس والإفتاء قديمًا.
- وأخذ عنه الفضلاء في فنون كثيرة.
1 / 7
- وأسمع من لفظه «جامع مسانيد أبي حنيفة» بمجلس الناصري ابن الظاهر جقمق، بروايته له عن التاج النعماني، عن محيي الدين أبي الحسن حيدرة بن أبي الفضائل محمد بن يحيى العباسي مدرس المستنصرية ببغداد سماعًا، عن صالح بن عبد الله بن الصباغ، عن أبي المؤيد محمد بن محمود بن محمد الخوارزمي مؤلفه.
- وكان الناصري ممن أخذ عنه واختص بصحبته بل هو فقيه أخيه الملقب بعد بالمنصور.
- وكذا قرئ الجامع المذكور ببيت المحب بن الشحنة وسمعه عليه هو وغيره وحمله الناس عنه قديمًا وحديثًا.
- وممن أخذ عنه السخاوي ﵀ فقال عن نفسه: صحبته قديمًا، وسمعت منه مع ولدي المسلسل بسماعه له على الواسطي، وكتبت عنه من نظمه وفوائده أشياء، بل قرأت عليه «شرح ألفية العراقي».
- وممن كتب عنه من نظمه ونثره البقاعي.
مكانته العلمية بين أبناء عصره:
- عُرِفَ الحافظ ابن قطلوبغا بقوة الحافظة والذكاء وأشير إليه بالعلم، وأَذِنَ له غير واحد بالإفتاء والتدريس.
- ووصفه ابن الديري بالشيخ العالم الذكي.
- والحافظ ابن حجر بالإمام العلامة المحدث الفقيه الحافظ.
- ووصفه كذلك بالشيخ الفاضل المحدث الكامل الأوحد.
1 / 8
- ووصفه الزين رضوان بقوله: من حُذَّاق الحنفية، كَتَب الفوائد واستفاد وأفاد.
- وقال السخاوي: هو إمام، علامة، قوي المشاركة في فنون، ذاكر لكثير من الأدب ومتعلقاته، واسع الباع في استحضار مذهبه وكثير من زواياه وخباياه، متقدِّم في هذا الفن، طلق اللسان، قادر على المناظرة وإفحام الخصم، لكن حافظته أحسن من تحقيقه.
- وقال السخاوي كذلك: قد انفرد عن علماء مذهبه الذين أدركناهم بالتقدم في هذا الفن، وصار بينهم من أجلة شأنه ... وقُصِدَ بالفتاوى في النوازل والمهمات فبلغوا باعتنائه بهم مقاصدهم غالبًا؛ واشتهر بذلك.
- وقال البقاعي: كان مفننًا في علوم كثيرة: الفقه، والحديث، والأصول، وغيرها، ولم يُخَلَّف بعده حنفيًا مثله. ثم بالغ في أذيته بما ذكره السخاوي.
إقباله على التأليف والتصنيف:
أقبل الحافظ ابن قطلوبغا على التأليف من سنة عشرين وثمانمائة، أي عندما كان في الثامنة عشرة من عمره، وهلم جرا.
مؤلفاته:
برع الحافظ ابن قطلوبغا في علوم شتى وكانت له يد في التصنيف والتأليف في غالب الفنون، ورأيت أن أقتصر هنا على ذكر أهم مصنفاته الخاصة بعلم الرجال لأنبه على مدى اعتنائه بهذا الفن ونبوغه فيه:
١ - «الإيثار برجال معاني الآثار».
1 / 9
٢ - رجال «الموطأ» لمحمد بن الحسن.
٣ - رجال «الآثار» لمحمد بن الحسن.
٤ - رجال «مسند أبي حنيفة» لابن المقري.
٥ - ترتيب «الإرشاد» للخليلي، في مجلد.
٦ - ترتيب «التمييز» للجوزقاني، في مجلد.
٧ - ترتيب «أسئلة الحاكم» للدارقطني.
٨ - من روى عن أبيه عن جده، في مجلد.
٩ - الاهتمام الكلي بإصلاح ثقات العجلي، في مجلد.
١٠ - زوائد رجال «الموطأ» على الكتب الستة.
١١ - زوائد رجال «مسند الشافعي» على الكتب الستة.
١٢ - زوائد رجال «سنن الدارقطني» على الكتب الستة.
١٣ - الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة، وهو الذي بين يديك.
١٤ - تقويم «اللسان في الضعفاء»، في مجلدين.
١٥ - حاشية على «المشتبه» للحافظ ابن حجر.
١٦ - حاشية على «التقريب» للحافظ ابن حجر.
١٧ - تاج التراجم.
1 / 10
الوظائف التي تولاها:
لم يَلِ الحافظ ابن قطلوبغا مع انتشار ذكره وظيفة تناسبه بل كان في غالب عمره أحد صوفية الأشرفة، إلى أن استقر في تدريس الحديث بقبة البيبرسية.
المؤاخذات عليه:
وصف السخاويُّ الحافظ ابن قطلوبغا بأنه مغرم بالانتقاد ولو لمشايخه حتى بالأشياء الواضحة، والإكثار من ذكر ما يكون من هذا القبيل بحضرة كل أحد ترويجًا لكلامه بذلك، كثير الطرح لأمور مشكلة يمتحن بها وقد لا يكون عنده جوابها، ولهذا كان بعضهم يقول: إن كلامه أوسع من علمه، قال السخاوي: أما أنا فأزيد على ذلك بأن كلامه أحسن من قلمه.
صفاته الخُلُقية:
وصف السخاويُّ الحافظَ ابن قطلوبغا بأنه كان غاية في التواضع، وطَرْح التكلف وصفاء الخاطر جدًا، وحُسْن المحاضرة، لا سيما في الأشياء التي يحفظها، وعدم اليبس والصلابة، والرغبة في المذاكرة للعلم، وإثارة الفائدة، والاقتباس ممن دونه مما لعله لم يكن أتقنه.
وقال السخاوي: ربما تفقده الأعيان من الملوك والأمراء ونحوهم فلا يدبر نفسه في الارتفاق بذلك بل يسارع إلى إنفاقه ثم يعود لحالته وهكذا مع كثرة عياله وتكرر تزويجه، وبالجملة فهو مقصر في شأنه.
وذكر أنه لما عُرض عليه السكن بقاعة مشيخة المؤيدية لضيق منزله وارتفاعه لم يقبل.
1 / 11
نظمه:
مما نظمه الحافظ ابن قطلوبغا ردًا لقول القائل:
إن كنت كاذبة التي حدثتني ... فعليك إثم أبي حنيفة أو زُفَر
الواثبين على القياس تمردًا ... والراغبين عن التمسك بالأثر
فقال:
كذب الذي سب المآثم للذي ... قاس المسائل بالكتاب وبالأثر
إن الكتاب وسُنَّةَ المختار قد ... دلَّا عليه فدع مقالة من فشر
مرضه ووفاته:
تَعَلَّلَ الحافظ ابن قطلوبغا مدة طويلة بمرض حاد وبعسر التبول والحصاة وغير ذلك، وتنقل لعدة أماكن إلى أن تحول قبيل موته بيسير بقاعة بحارة الديلم بالقاهرة، فلم يلبث أن مات فيها في ليلة الخميس رابع ربيع الآخر سنة (٨٧٩هـ).
وصُليَ عليه من الغد تجاه جامع المارداني في مشهد حافل، ودفن على باب المشهد المنسوب لعقبة عند أبويه وأولاده، وتأسف الناس على فقده.
1 / 12
الباب الثاني
التعريف بكتاب «الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة»
للحافظ ابن قطلوبغا من خلال مقدمة مصنفه عليه
يلحظ المتأمِّل في تراث أمتنا بجلاء مدى اعتناء المصنفين ببيان مناهجهم وشروطهم في مقدمات مصنفاتهم والتي تعين الناظر فيها على تلمُّس أسلوب المصنف وطريقته في كتابه.
بَيْد أن المصنفين يختلفون في كمية المعلومات التي يطرحونها للقارئ في مقدمات أعمالهم، فَمِن مُقِلٍّ ينبه على نزر يسير من ذلك، وبين مستكثر يأتي في مقدمته على جُلِّ المسائل التي تبين شرطه ومنهجه في كتابه، وبين متوسط يذكر شيئًا من ذلك في مقدمته تاركًا الفرصة للقارئ في تلمس ما تبقَّى من ملامح منهجه في كتابه، وعلى هذا النسق الأخير جاء كتاب «الثقات» للحافظ ابن قطلوبغا حيث وضع لنا في مقدمة كتابه خطوطًا عريضة حول شرطه ومنهجه في كتابه تُعيننا على الولوج إلى خبايا زواياه واكتشاف مكنونه.
لذا فقد رأيت أن الطريق الأنسب للتعريف بهذا الكتاب هو البدء بالكلام على المسائل التي طرقها المصنف نفسه في مقدمة كتابه وتفصيل الكلام عليها ومن ثَمَّ الانتقال من خلالها إلى تلك التي لم يطرقها ولم يبينها في كلامه.
1 / 13
فأقول مستعينًا بالله:
قال الحافظ ابن قطلوبغا في مقدمته على كتاب «الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة» بعد البسملة والصلاة على النبي ﷺ:
«فيقولُ الفقيرُ إلى اللهِ تعالَى قاسم بن قُطْلُوْبُغَا الحنفيُّ:
إني قد استخرتُ الله ﷾ في أن أُفْرِدَ من الطبقةِ الثانيةِ وما بعدَهَا من كتاب «الثقات» للشيخ الإمام العلامَّة الحافظ أبي حاتم محمد بن حِبَّان مَنْ ليس في «تهذيب الكمال» مرتِّبًا ذلك ترتيبَ «التهذيب»، وأُرَقِّمُ على الاسمِ عدَدَ الطبقةِ اختصارًا.
وأضيف إلى ذلك مِنْ كتاب «الجرح والتعديل» للحافظ العلامة أبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم مَنْ ذُكِرَ بنوع تعديلٍ ممن ليس في «التهذيب» أيضًا.
فإن اتَّفقا على ترجمة؛ بدأتُ بعبارةِ ابن حبان ثم بما عند ابن أبي حاتم ملخَّصًا، وما تفرد به ابن حبان يُعْرَفُ بالرقم، وما يتفرد به ابن أبي حاتم يُعرف بِصَرِيح التعديل.
فإن حَضَرَني تعديلٌ أو تجريحٌ لغيرهما ذكرته مصرِّحًا بقائله.
وأُضِيف إلى ذلك -على الترتيب المذكور- مَنْ تيسر لي ذكره ممن عَدَّلَه غيرُهُما من أئمةِ هذا الشأن، وإن كان مختلفًا فيه، وإنما زدتُ من تأخر للفائدة.
واعتمدت من «الثقات» على نسخةٍ بخطِّ الحافظ: الحسن بن محمد بن محمد بن محمد التيمي (١)، وأخرى رَتَّبَهَا الحافظ أبو الحسن الهيثمي، وربما
_________
(١) في الأصل: التميمي، خطأ.
1 / 14
وقع لهما ما يحتاج إلى التنبيه عليه فأذكر ذلك لدفع الاغترار بخطهما.
وقد قال الحافظ أبو حاتم في مقدمة كتابه: إني أملي في ذكر من حمل عنه العلم كِتَابَيْن: كتابًا أذكُرُ فيه الثقات من المُحَدِّثين، وكتابًا أُبَيِّن فيه الضعفاء والمتروكين، وأبدأ منهما بالثقات ... نَذْكُرُ مَنْ صَحِبَ رسول الله ﷺ واحدًا واحدًا على المعجم؛ إذ هم خير الناس قرنًا بعد رسول الله ﷺ، ثم نذكر بعدهم التابعين الذين شافهوا أصحاب رسول الله ﷺ في الأقاليم كلها على المعجم؛ إذ هم خير الناس بعد الصحابة قرنًا، ثم نذكر القرن الثالث الذين رأوا التابعين، فأذكرهم على نحو ما ذكرنا الطبقتين الأولتين، ثم نذكر القرن الرابع الذين رأوا أتباع التابعين على سبيل من قبلهم، وهذا القرن ينتهي إلى زماننا هذا.
ولا أذكر في هذا الكتاب الأول إلا الثقات الذين يجوز الاحتجاج بأخبارهم، وأقتنع بهذين الكتابين المختصرين عن كتاب «التاريخ الكبير» الذي خرَّجناه؛ لعلمي بصعوبة حفظ كل ما فيه من الأسانيد والطرق والحكايات ...
فكلُّ من أذكُرُ في هذا الكتاب الأول فهو صدوق، يجوز الاحتجاج بخبره إذا تعرَّى خبرُه عن خصالٍ خمس، فإذا وُجِدَ خبرٌ منكرٌ عن واحد ممن ذكرته في كتابي هذا، كان ذلك الخبر لا ينفك من واحد من خمس خصال:
إما أن يكون فوق الشيخ الذي ذكرتُ اسمَه في كتابي هذا في الإسناد أحدٌ ضعيف، لا يحتج بخبره.
أو يكون دونه أحد واهٍ لا يحتج بخبره.
أو الخبر يكون مرسلًا لا تلزمنا به الحجة.
1 / 15
أو يكون منقطعًا لا تقوم بمثله الحجة.
أو يكون في الإسناد رجلٌ مدلسٌ لم يُبَيِّنْ سماعَه في الخبر مِن الذي سمعه منه، فإن المدلِّسَ -وإن كان ثقة- ما لم يُبَيِّنْ سماعَه، لا يجوز الاحتجاج بذلك الخبر.
وربما أذكر في هذا الكتاب الشيخ بعد الشيخ وقد ضعفه بعض أئمتنا ووثقه بعضهم، فمن صَحَّ عندي منهم أنه ثقة بالدلائل النيِّرة التي بينتُها في كتاب «الفصل بين النقلة» أدخلته في هذا الكتاب؛ لأنه يجوز الاحتجاج بخبره، ومن صح عندي منهم أنه ضعيف بالبراهين الواضحة التي ذكرتها في كتاب «الفصل بين النقلة»، لم أذكره في هذا الكتاب، لكني ذكرته في كتاب «الضعفاء» [٢ - أ]؛ لأنه لا يجوز الاحتجاج بخبره.
فكل من ذكرته في كتابي هذا إذا تعرَّى خبرُه عن الخصال التي ذكرتها فهو عَدْل يجوز الاحتجاج بخبره؛ لأن العَدْلَ مَنْ لم يُعرف منه الجرح؛ إذ الجرح ضد التعديل، فمن لم يُعرف بجرحٍ فهو عدل حتى يبين ضده؛ إذ لم يكلَّف الناس من الناس معرفة ما غاب عنهم، وإنما كُلِّفوا الحكم بالظاهر من الأشياء عند المغيَّب عنهم. انتهى.
قلت: فعن هذا تَصَدَّيْتُ لكتابه، وعن هذا قيل: إنه قد يذكر المجهول إذا روى عنه ثقة ولم يُجرح، ولم يكن الحديث منكرًا، وقيل: إن مَنْ كان بهذه الصفة فهو حجة عند النسائي أيضًا، وإن من ارتفع عنه اسم الجهالة برواية اثنين عنه ولم يُعرف فيه مقالٌ يكون حديثه حسنًا.
1 / 16
وقال ابن حبان أيضًا في ترجمة معقل بن عبيد الله الجزري (١): كان يخطئ، ولم يَفْحُش خطؤه فيستحق الترك، وإنما كان ذلك منه على حسب ما لا ينفك عنه البشر، ولو تُرك حديث كل من أخطأ من غير أن يَفْحُشَ ذلك منه، لوجب ترك حديث كل عَدْل في الدنيا لأنهم كانوا يخطئون، ولم يكونوا معصومين، بل يُحتج بخبر من ُيخطئ ما لم يَفحش ذلك منه، فإذا فَحُشَ حتى غَلَبَ على صوابه تُرِكَ حديثُه، ومن عَلِم الخطأ بعينه وأنه خالف فيه الثقات تَرَكَ ذلك الحديث بعينه واحتَجَّ بما سواه، هذا حُكْمُ المحدثين الذين كانوا يخطئون ولم يَفْحُشْ ذلك منهم.
قلتُ: فإذا اختلف قولُه في رجلٍ ذكرَه تارةً في الثقات وتارةً في المجروحين بَيَّنْتُ ذلك ليكونَ تنقيبًا عليه، وإن لم يكن من أهل هذا الكتاب، ويكون ذلك كالتلخيص لكتاب آخر أكتبه بعد إن شاء الله.
والله -سبحانه- أسألُ أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، إنه غفور رحيم، وهو حسبي ونعم الوكيل».
ونستطيع أن نلخص المسائل التي طرقها الحافظ ابن قطلوبغا في مقدمته في التالي:
١ - موارد الكتاب:
تكلم الحافظ ابن قطلوبغا في مقدمته على الموارد التي أفاد منها في تصنيف كتابه هذا، إلا أنه لم يصرِّح إلا بالمصدرين الرئيسين اللذين بنى عليهما كتابه،
_________
(١) «الثقات»: (٧/ ٤٩١ - ٤٩٢).
1 / 17
وهما كتاب الحافظ أبي حاتم ابن حبان «الثقات»، وكتاب الحافظ أبي محمد ابن أبي حاتم «الجرح والتعديل».
وأبهم الحافظ ابن قطلوبغا ما سوى ذلك من الموارد وإنما أشار إليها إشارة فقط بقوله: «فإن حضرني تعديل أو تجريح لغيرهما ذكرته مصرحًا بقائله. وأضيف إلى ذلك على الترتيب المذكور مَنْ تيسر لي ذكره ممن عَدَّله غيرهما من أئمة هذا الشأن».
٢ - منهجه في النقل من كتاب «ثقات ابن حبان»:
نبه الحافظ ابن قطلوبغا على أهم الشروط المعتبرة عنده في استخراج التراجم من كتاب ابن حبان ومنهجه في التعامل معها، وتتلخص في التالي:
أ- ألا يكون الرجل مترجما في كتاب «تهذيب الكمال» -وهذا شرط عام في جميع تراجم الكتاب-.
ب-أن يكون الرجل من الطبقة الثانية-وهي طبقة التابعين-فما بعدها، فأغفل الطبقة الأولى-طبقة الصحابة- فلم ينقل منها شيئًا لعدالة أربابها.
جـ-فإذا جُرِّد كتاب ابن حبان ممن له ترجمة في «تهذيب الكمال» ومِن طبقة الصحابة، فكل مَنْ تبقى كان على شرطه، فإن شرطه أن يذكر في كتابه كل مَنْ تُرْجِم في ثقات ابن حبان ممن تجرد عن هاتين الصفتين. وهذا ظاهر من إتيانه بـ «مَنْ» التي تفيد العموم في قوله: «مَنْ ليس في تهذيب الكمال» (١).
_________
(١) لذا فهو يكثر من ذكر التراجم من كتاب «الثقات» التي قد يُظَن أنها على شرطه وليست كذلك، فيبين وجه عدم كونها على شرطه ثم يقول: «ذكرته لئلا يُستدرك عليَّ»، فهذا ظاهر جدًا في أن كل مَنْ كان على شرطه في كتاب الثقات ولم يذكره فهو مما يستدرك عليه.
1 / 18
د-ثم يضع رقمًا على اسم المترجم ينبئ عن طبقته في كتاب ابن حبان، ولما كانت الطبقات في كتاب ابن حبان أربع، فقد جاءت هذه الأرقام إما (٢) أو (٣) أو (٤)، لإغفاله للطبقة الأولى كما تقدم.
٣ - منهجه في النقل من كتاب «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم:
نبه الحافظ ابن قطلوبغا على أهم الشروط المعتبرة عنده في استخراج التراجم من كتاب ابن أبي حاتم، وتتلخص في التالي:
١ - ألا يكون الرجل مترجما في «تهذيب الكمال» -وهذا شرط عام كما تقدم-.
٢ - أن يُذكر هذا الراوي بنوع تعديل.
٣ - يظهر مِنْ إتيانه بـ «مَنْ» التي تفيد العموم في قوله «وأضيف إلى ذلك من كتاب «الجرح والتعديل» .. مَنْ ذكر بنوع تعديل»، أنه شرط على نفسه استقصاء هذا الصنف من الرواة.
٤ - منهجه في التلفيق بين التراجم المشتركة عندهما:
إذا اشترك ابن حبان وابن أبي حاتم في الترجمة لراوٍ ما، فقد نبه ابن قطلوبغا على منهجه في التلفيق بين ذلك بما يتلخص في التالي:
١ - يبدأ بعبارة ابن حبان.
٢ - يُثَنِّي بما عند ابن أبي حاتم مُلَخَّصًا.
1 / 19