The Tatars from the Beginning to Ain Jalut
التتار من البداية إلى عين جالوت
Genres
السمات المميزة لحروب التتار مع غيرهم
كانت حروب التتار مغ غيرهم تتميز بصفات خاصة جدًا: أولًا: سرعة انتشار رهيبة.
ثانيًا: أعداد ضخمة هائلة من البشر، وملايين من المقاتلين.
ثالثًا: نظام محكم وترتيب عجيب جدًا.
رابعًا: تحمل للظروف قاسية، فهم يقاتلون في الحر والبرد والصحاري والأدغال وفي كل مكان.
خامسًا: قيادة عسكرية بارعة جدًا، وليس فقط جنكيز خان وإنما جميع القادة الذين تحته كانت لديهم قدرة قيادية فذة حقيقية.
سادسًا: أنهم بلا قلب تمامًا، فحروب التتار كانت حروب تخريب غير طبيعية، ومن السهل أن ترى في تاريخهم أنهم دخلوا مدينة كذا فدمروها وقتلوا كل سكانها، ولم يفرقوا في ذلك بين رجل وامرأة، ولا بين رضيع وشاب، ولا بين صغير وشيخ، ولا بين ظالم ومظلوم، ولا بين مدني ومحارب، بل أبادوهم إبادة جماعية رهيبة، فقد كانت طباعهم دموية لا تصل إليها الحيوانات الشرسة، وكأن قصدهم إبادة العالم، فهم لا يقصدون الملك والمال، ولا يريدون من الدنيا شيئًا إلا أن يخربوها.
سابعًا: رفض قبول الآخر، وعدم قبول آخر يعيش بجانبهم، وإنما كان عندهم مبدأ القطب الواحد، ولا يقبلون التعامل مع الدول الأخرى المحيطة بهم، والغريب أنهم كانوا يتظاهرون دائمًا بأنهم ما جاءوا إلى البلاد إلا ليقيموا الدين، ولينشروا العدل، وليخلصوا البلاد من الظالمين.
ثامنًا: أنهم كانوا لا عهد لهم مطلقًا، ولا أيسر عندهم من نقض العهود وإخلاف المواثيق، ولا يرقبون في مؤمن إلًا ولا ذمة، وكانت هذه صفة أصيلة فيهم، لازمة لهم، لم يتخلوا عنها مطلقًا في أي مرحلة من مراحل دولتهم، منذ قيامها وإلى أن سقطت.
هذه هي السمات التي اتصف بها جيش التتار، وهي صفات تتكرر كثيرًا في كل جيش لم يضع في حسبانه قوانين السماء وشريعة الله ﷿، والذين يملكون القوة ويفتقرون إلى الدين لا بد أن يكونوا بهذه الصورة، وقد يتفاوتون في الجرائم والفظائع، ولكنهم في النهاية مجرمون، فقد كانت حروب المرتدين قريبًا من هذا، وكذلك حروب الفرس والرومان، وكذلك حروب الصليبيين في الشام ومصر والأندلس، ثم سار على طريقتهم بعد ذلك أتباعهم من المستعمرين من الأسبانيين والبرتغاليين والإنجليزيين والفرنسيين والطليان واليهود، ثم الأمريكيين، فكلهم شكل واحد، وقد يختلف الشكل الخارجي أحيانًا، وتختلف الوجوه والأشكال، ولكن القلوب واحدة، فقد امتلأت حقدًا وضغينة وشحناء وبغضاء على كل ما هو إسلامي، بل على كل ما هو حضاري، يقول الله ﷿ في حقهم: ﴿أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ [الذاريات:٥٣].
إذًا: القوى التي كانت موجودة على الساحة في أوائل القرن السابع الهجري كانت ثلاث قوى رئيسية: القوة الأولى: قوة الأمة الإسلامية، وهي قوة ذات تاريخ عظيم جدًا، وأمجاد معروفة، ولكنها كانت تمر بفترة من فترات الضعف، وهذا الضعف وإن كان شديدًا إلا أنه لم يسقط هيبتها تمامًا؛ لأن أعداءها كانوا يعلمون أن أسباب النصر وعوامل القوة مزروعة في داخل هذه الأمة، وهي فقط تحتاج إلى من يستخرج هذه الأسباب وينميها.
القوة الثانية: قوة الصليبيين، وهم وإن كانوا أيضًا في حالة ضعف وتخلف علمي وحضاري شديدين بالمقارنة بالأمة الإسلامية، إلا أنهم كانوا قوة لا يستهان بها؛ لكثرة أعدادهم، وشدة حقدهم وإصرارهم على استكمال المعركة إلى النهاية مع المسلمين، وصدق الله العظيم إذ يقول في كتابه الكريم: ﴿وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ [البقرة:٢١٧].
فكانت قوة الإسلام وقوة الصليبيين تمثلان سويًا قوة العالم القديم في ذلك الوقت.
ثم ظهرت القوة الثالثة الجديدة: وهي قوة التتار، وكانت قوة همجية بشعة، فهي قوة بلا تاريخ، وبلا حضارة، فقد ظهرت فجأة وليس عندها مخزون ثقافي أو حضاري أو ديني يسمح لها بالتفوق على غيرها، فكان لا بد لها من الاعتماد على القوة الهمجية والحرب البربرية؛ لفرض سطوتها على من حولها.
1 / 8