The Story of Moses and Al-Khidr
قصة موسى والخضر
Genres
الاستدلال بحديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة) على جواز حلق اللحى
الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
فقد ذكرنا حديث: (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وإذا اجتهد فأصاب فله أجران) وقد ذكَّرني هذا الحديث بقضية أثارها بعض الناس، فقد استدل بعضهم على حكم حلق اللحية بإقراره ﵌ المسلمين الذين غزوا بني قريظة واختلفوا في صلاة العصر: أيصلونها في بني قريظة أم يصلونها في وقتها؟ ولم يعنف النبي ﵊ إحدى الطائفتين، فقالوا: كذلك الذي يعفي لحيته لا يجوز له أن يعنف حالقها، كما أن النبي ﵌ لم يعنف أحدًا من الطائفتين.
وهذه فرية بلا مرية؛ إذ كيف يقيس هذا الإنسان إقرار النبي ﵌ أصحابه الذين اختلفوا في أداء العصر أفي الوقت أم في بني قريظة بعد الوقت على أمر نص النبي ﵊ نصًا واضح الدلالة أنه لا يجوز للمسلم أن يتعمد حلق لحيته؟! فقد قال ﷺ: (اعفوا اللحى وقصوا الشوارب) .
أما الذين ذهبوا لغزو بني قريظة فقد سمعوا قوله ﵊: (لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة)، فقال بعضهم: إن النبي ﵊ لم يقصد ظاهر الخطاب؛ بل أراد أن يحثنا على القتال حتى ندخل بني قريظة قبل العصر فنصلي هناك، أو ندخل بني قريظة في وقت العصر فنصلي هناك، فهذا حث منه لنا ﵊ أن ندخل بني قريظة في وقت العصر، ولم يكن يقصد أننا لا نصلي العصر إلا في بني قريظة ولو كان وصولنا بعد العشاء.
وذلك لأن عندهم أدلة واضحة على عدم جواز تأخير الصلاة عن وقتها، فهذه الأدلة الواضحة لا يمكن أن يتركوها لنص فيه احتمال، والعلماء يقولون: إذا تطرق إلى الدليل الاحتمال سقط به الاستدلال، فإذا كان ظاهر الخطاب يحتمل أكثر من وجه، فلا يتعين أحد الأوجه إلا بدليل مستقل خارج عنه.
وعندهم أدلة على عدم جواز تأخير الصلاة عن وقتها، فيقولون: لا نترك هذه الأدلة القاطعة بنص يحتمل أكثر من وجه، فحملوا دلالة النص على معنى الأحاديث الأخرى، وهو: استحثاث المسلمين على دخول بني قريظة في وقت العصر.
وقال بعضهم: لا.
بل قصد أننا لا نصلي العصر حتى نغزو بني قريظة، ولو أخذ منا الجهاد إلى وقت العشاء.
ولم يعنف بعضهم بعضًا، ولم ينشق المسلمون وهم يقاتلون بسبب هذا الاختلاف الفقهي، إنما كلٌ أخذ برأيه ولم يعنف الآخر، فالذين أبوا أن يؤخروا العصر عن وقته صلوا العصر، والآخرون لم يصلوا العصر حتى غزوا بني قريظة، فكان وقت العصر قد ذهب.
فعندما جاءوا إلى النبي ﵊ وذكروا له ما حدث، تبسم ولم يعنف أحدًا، فإقراره ﵊ حقٌ؛ لأنه لا يقر على باطل ولا خطأ، فلما سكت دل على أنه أقر كلا الطائفتين.
فالشبهة التي يحتجون بها: أن طائفة فعلت شيئًا، وطائفة فعلت عكس الطائفة الأولى، فلم يعنف هذه ولا تلك، فكذلك المسلم إذا أعفى لحيته لا جناح عليه، فإن حلق لحيته فلا يجوز للآخر أن يعنفه، فهل واقعة بني قريظة كمثل هذا المثل الذي ضربه هذا المحتج؟
الجواب
شتان ما بين الأمرين، ولا يستقيم في الأذهان شيء إذا كانت القسمة هكذا، إذًا: فلماذا لم يعنف النبي ﵊ إحدى الطائفتين برغم أن الحق في جانب واحد منهما بلا شك؟ لأن الحق واحد لا يتعدد وإن اختلفت أفهام الناس فيه، فيستحيل أن يكون الحق متعددًا، إنما الحق واحد، وطرق الناس في الذهاب إلى الحق متباينة، لكن الذي أصاب الحق واحد فقط، فلا شك أن أحدهما مخطئ، فلماذا لم يعنفه النبي ﵊؟ لأنه ﵊ قال: (إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر)، فهل يجوز أن يعنف من له أجر واحد المأجور؟ لا يعنف، إنما الذي يعنف هو المأزور، وهذا بنص الحديث، فلذلك لم يعنفه النبي ﵊؛ لا لأنه أقر الاثنين، بمعنى: أنه أقر أن ترك العصر حتى يخرج وقتها صواب، وأن الذين صلوا في الوقت على صواب، إنما لم يعنفهم؛ لأن الذي أخطأ أصاب أجرًا واحدًا.
فحديث واقعة بني قريظة التي أقرها النبي ﵊ لا علاقة لها بالمثل المضروب؛ لأن المثل المضروب في أمر، وعلماء الإسلام يقولون: إن الأمر إذا خرج من النبي ﵊ يفيد الوجوب، أي: أنه لا يجوز للمسلم أن يخالف أمره ﵌.
ورحم الله الإمام المجتهد تقي الدين السبكي إذ قال في جزء له أسماه (بيان قول الإمام المطلبي: إذا صح الحديث فهو مذهبي) قال: وليتخيل أحدكم إذا سمع حديثًا للنبي ﷺ أنه واقف بين يديه، وسمع هذا الأمر منه، أكان يسعه أن يتخلف؟ الجواب: لا.
لذلك إذا سمع المسلم حديثًا للنبي ﵊ فواجب عليه أن يمتثل.
نسأل الله ﵎ أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن يأخذ بأيدينا ونواصينا إلى الخير.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.
اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.
1 / 6