السنة الأولى من الهجرة (١ هـ)
بناء مسجد قباء والمسجد النبوي
فلبث رسول الله ﷺ في بني عمرو بن عوف أربع عشرة ليلة وأسس المسجد الذي أسس على التقوى (مسجد قباء)، وصلى فيه رسول الله ﷺ ثم ركب راحلته، فسار يمشي معه الناس، فتنازعوا أيهم ينزل عليه رسول الله ﷺ فقال: " أنزل على بني النجار، أخوال عبد المطلب، أكرمهم بذلك " ثم أرسل إلى بني النجار؛ فجاءوا متقلدي السيوف، والنبي ﷺ على راحلته، وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله، فصعد الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرق الغلمان والخدم في الطرق، ينادون: يا محمد، يا رسول الله، يا محمد، يا رسول الله.
حتى بركت عند مسجد الرسول بالمدينة، وهو يصلي فيه يومئذ رجال من المسلمين، وكان مِرْبَدًا (^١) لِلتَّمْرِ، لسهيل وسهل، غلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة، فقال رسول الله ﷺ حين بركت به راحلته: "هذا إن شاء الله المنزل"، حتى ألقى بفناء أبي أيوب، وكان رسول الله ﷺ يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، وإنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملإ من بني النجار، فقال: يا بني النجار، ثامنوني (^٢) بحائطكم (^٣) هذا "، قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله، ثم دعا رسول الله ﷺ الغلامين، فساومهما بالمربد ليتخذه مسجدًا، فقالا: لا، بل نهبه لك يا رسول الله، فأبى رسول الله ﷺ أن يقبله منهما هبة حتى ابتاعه منهما،
(^١) الموضع الذي يجعل فيه التمر لينشف. (^٢) أي: اذكروا لي ثمنه، لأذكر لكم الثمن الذي أختاره، قال ذلك على سبيل المساومة، فكأنه قال: ساوموني في الثمن. (^٣) الحائط: البستان من النخل، إذا كان عليه حائط، وهو الجدار.
1 / 243