The Story of Civilization

Will Durant d. 1402 AH
105

The Story of Civilization

قصة الحضارة

Publisher

دار الجيل

Publisher Location

بيروت - لبنان

Genres

التنافس سبقا يتناسب مقداره. مع مقدار ما بداخلها من تعاون؛ ومن هنا كان لكل جماعة تشريع أخلاقي تلقنه لأفرادها، وتبني لهم في أفئدتهم ميولا اجتماعية تقلل من الحرب الطبيعية التي هي من شأن الأحياء، وإنما تفعل الجماعة ذلك لأن هؤلاء الأفراد هم حلفاؤها وأركانها المستورة؛ وهي تؤيد طائفة من الخصال أو العادات في الفرد من شأنها أن تعود بالنفع على الجماعة، ولذا تسميها فضائل؛ كما تنفر النفوس من أضدادها بأن تسميها رذائل؛ وبهذه الطريقة ينخرط الفرد - في ظاهرة إلى حد ما - في سلك الجماعة، والحيوان فيه يصبح مواطنا. لم يكن - أو كاد ألا يكون - توليد العواطف الاجتماعية في نفس "الهمجي" بأصعب من إثارة هذه العواطف اليوم في قلب الإنسان الحديث، فلئن كان تنازع الحياة قد شجع على قيام الشيوعية، فقد عزز تنازع الملك الشعور بالفردية؛ وربما كان الإنسان البدائي أسرع من الإنسان المعاصر استعدادًا للتعاون مع زملائه فقد كان أيسر عليه من الإنسان المعاصر أن يتماسك اجتماعيًا مع زملائه لأن الأخطار والمصالح التي كانت تربط بالجماعة كانت أقوى منها الآن، كما كانت أملاكه أقل من أن تجعله يتفَّرد بمصالح من دون زملائه؛ لقد كان الإنسان البدائي عنيفًا جشعًا، لكنه كان كذلك رحيما كريما، مستعدًا لاقتسام ما معه حتى مع الغرباء، ولتقديم الهدايا لأضيافه فكل قارئ يعرف كرم البدائيين كيف كان يدفعهم في قبائل كثيرة إلى حد تقديم زوجة المضيف أو ابنته إلى نزيل بيته، ورفض مثل هذه التحية أثناء الضيافة يعتبر عندهم إيذاء شديدا لشعورهم: لشعور المضيف وشعور المرأة في آن معًا، وإن ذلك لمن المشكلات التي يصادفها المبشرون؛ والمعاملة التي يعامل بها الضيف إبان إقامته تتوقف على الطريقة التي عالج بها أمثال هذه التبعات في أول قدومه؛ ويظهر أن الإنسان البدائي قد كان يشعر نحو امرأته شعور الغيرة على ملكه لا شعور الغيرة الجنسية، فلا يسيء إليه أن تكون زوجته قد "عرفت" رجالا غيره قبل زواجها منه، ولا يؤذيه أنها

1 / 94