قَالَ أَبُو عُمَرَ- ابن عبد البر -: «لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الأُمَّةِ يُثْبِتُ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ يَرُدُّهُ دُونَ ادِّعَاءِ نَسْخِ ذَلِكَ بِأَثَرٍ مِثْلِهِ أَوْ بِإِجْمَاعٍ أَوْ بِعَمَلٍ يَجِبُ عَلَى أَصْلِهِ الانْقِيَادُ إِلَيْهِ أَوْ طَعْنٍ فِي سَنَدِهِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدٌ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُتَّخَذَ إِمَامًا وَلَزِمَهُ [اسْمُ] الفِسْقِ ...
وَنَقَمُوا أَيْضًا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الإِرْجَاءَ، وَمِنْ أَهْلِ العِلْمِ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الإِرْجَاءِ كَثِيرٌ لَمْ يُعْنَ أَحَدٌ بِنَقْلِ قَبِيحِ مَا قِيلَ فِيهِ كَمَا عُنُوا بِذَلِكَ فِي أَبِي حَنِيفَةَ لإِمَامَتِهِ، وَكَانَ أَيْضًا مَعَ هَذَا يُحْسَدُ وَيُنْسَبُ إِلَيْهِ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَيُخْتَلَقُ عَلَيْهِ مَا لاَ يَلِيقُ بِهِ.
وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ العُلَمَاءِ وَفَضَّلُوهُ وَلَعَلَّنَا إِنْ وَجَدْنَا نُشْطَةً نَجْمَعُ مِنْ فَضَائِلِهِ وَفَضَائِلِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالأَوْزَاعِيِّ ﵏ كِتَابًا، أَمَّلْنَا جَمْعَهُ قَدِيمًا فِي أَخْبَارِ أَئِمَّةِ الأَمْصَارِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى» (١).
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ: «أَصْحَابُنَا يُفْرِطُونَ فِي أَبِي حَنِيفَةَ
(١) ثم جمع في ذلك كتابه " الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء، مالك، والشافعي وأبي حنيفة ".