The Smiling Garden in the Biographies of Al-Hakim's Teachers
الروض الباسم في تراجم شيوخ الحاكم
Publisher
دار العاصمة للنشر والتوزيع
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
Publisher Location
الرياض - المملكة العربية السعودية
Genres
سلسة تقريب رواة السّنَّةِ بين يدى الأمَّةِ (٣)
الرّوض الباسم
في
تراجم شيوخ الحاكم
تأليف
أبي الطَّيّب نايف بن صلاح بن على المنصوري
قدم له
فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
وقدم له وراجعه ولخص أحكامه
فضيلة الشيخ أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني
وقدم له
فضيلة الشيخ الدكتور حسن محمد مقبولي الأهدل
الجزء الأوّل
دار العاصمة
للنشر والتوزيع
1 / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 2
الرّوض الباسم
في
تراجم شيوخ الحاكم (١)
1 / 3
ح - دار العاصمة للنشر والتوزيع، ١٤٣١ هـ
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية اثناء النشر
المنصوري، نايف صلاح علي
الروض الباسم في تراجم شيوخ الحاكم./ نايف صلاح علي
المنصوري- الرياض، ١٤٣١ هـ
٢ مج
ردمك ٨ - ١٤ - ٨٠٥٧ - ٦٠٣ - ٩٧٨ (مجموعة)
٥ - ١٥ - ٨٠٥٧ - ٦٠٣ - ٩٧٨ (ج١)
١ - الحديث- تراجم الرواة ٢ - الإِسلام- تراجم أ- العنوان
ديوي ١، ٩٢٢
٢٧١٣١/ ١٤٣١
رقم الإيداع: ٢٧١٣/ ١٤٣١
ردمك: ٨ - ١٤ - ٨٠٥ - ٦٠٣ - ٩٧٨ (مجموعة)
٥ - ١٥ - ٨٠٥٧ - ٦٠٣ - ٩٧٨ (ج ١)
جمَيع الحقوق مِحفوظَة
الطبْعَةُ الأولى
١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م
دار العاصمة
المملكة العربية السعودية
الرياض - صَ ب: ٤٢٠٧ - الرّمز البريدي: ١١٥٥١
المركزُ: الرّئيسى: شارع السويدي العام
هَاتف:٤٤٩٧٢٢٤/ فاكس: ٤٤٩٧٢٢٥
1 / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين؛ نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:
فقد كنت قدَّمت سابقًا لكتاب صدر مؤخَّرًا بعنوان "إرشاد القاصي والداني إلي تراجم شيوخ الطبراني" لأخينا الفاضل نايف بن صلاح بن علي المنصوري؛ الذي جمع فيه شيوخ الحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني جمعًا لا أعلم أحدًا سبقه إلى مثله، واستفاد منه أهل العلم فائدة لا تنكر؛ لأن رجال طبقة شيوخ الطبراني يصعب في بعض الأحيان العثور على ترجمة بعضهم كما لا يخفى، فجزاه الله خيرًا.
ثم إن الأخ نايف بن صلاح لمس عظم فائدة هذا العمل، وشرح الله صدره له، وأصبح عنده معرفة برجال هذه الطبقات المتأخِّرة، فجدَّ وشدَّ العزم على مواصلة هذا العمل في شيوخ بعض الأئمة المشاهير؛ كالدارقطني، وأبي عبد الله الحاكم، والبيهقي، فجمع شيوخ الدارقطني في كتاب سمَّاه "الدليل المغني إلي تراجم شيوخ الدارقطني"، وجمع شيوخ أبي عبد الله الحاكم في كتاب سمَّاه "الروض الباسم في تراجم شيوخ الحاكم"، وجمع شيوخ البيهقي في كتاب سمَّاه "السلسبيل النقي في تراجم شيوخ البيهقي"، وترجم لكل شيخ من شيوخ هؤلاء الأئمة وفق منهج بيَّنه في مقدمة كل كتاب، وقد فرغ بحمد الله من هذه الكتب جميعها، وهي مُعَدَّة للطباعة، وقد أطلعني عليها واقتنيت نسخة من كلٍّ منها.
وهو الآن يعمل في عدة مشاريع أخرى؛ كالجمع والترجمة لشيوخ أبي
1 / 5
نعيم الأصبهاني وشيوخ شيوخه، وإكمال بقية معاجم المشيخات في القرن الرابع والخامس، بل وأواخر القرن الثالث.
كما أنه يعمل على مشروع كبير في الترجمة لمن ليس في "تهذيب التهذيب" من الرواة، وهو على قسمين:
١) من ليس له ترجمة في "التهذيب" من رواة الكتب المذكورة في "إتحاف المهرة" للحافظ ابن حجر، وسمَّى هذا الكتاب: "إتحاف الخيرة بمن ليس في تهذيب التهذيب من رواة كتب إتحاف المهرة".
٢) من ليس له ترجمة في "التهذيب" من رواة كتب "المسانيد" المطبوعة والمذكورة في "إتحاف الخيرة" للبوصيري "والمطالب العالية" للحافظ ابن حجر، وسمَّى هذا الكتاب: "الجامع الفريد لمن ليس في تهذيب التهذيب من رواة المسانيد".
وقد عنون لهذا المشروع الذي يضم هذه الكتب بعنوان "سلسلة تقريب رواة السنة بين يدي الأمة"، فنسأل الله تعالي بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يجزي أخانا نايفًا خير الجزاء على هذه الأعمال التي كم كنا نتمناها منذ سنين، وها نحن نجد من شباب الأمة من تعلو همَّته للنهوض بهذا العمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمَّد.
كتبه: سعد بن عبد الله بن عبد العزيز الحميِّد
1 / 6
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذي اصطفى، أما بعد:
فها هو الإنجاز الثالث الفذُّ لأخينا أبي الطيب نايف بن صلاح المنصوري -حفظه الله- ضمن سلسلته المباركة: "تقريب رواة السنة بين يدي الأمة"، ألا وهو السِّفْر العظيم الذي ترجم فيه لشيوخ الحاكم النَّيْسابُوري ﵀ تعالي - بعد أن نفع الله بكتابه الأول: في تراجم شيوخ الإِمام الطَّبَراني، وكتابه الثاني في تراجم شيوخ الإِمام الدّارقُطْني، وكم هي فرحة طلاب العلم عندما تُساق إليهم هذه الفوائد؛ أسيرةً بين أيديهم، بعد أن ظفر بها قنّاص ماهر، وفارس مثابر، إنها والله فرحة عظيمة، وخدمة جليلة، وجهود مشكورة من أخينا أبي الطيب -طيَّب الله ذكره في الدارين-.
وسبق أن ذكرت أنه لا يَعْرِف قدْر الجهود إلا طلاب العلوم الذين
أهدرتْ عليهم أوقات كثيرة في البحث عن الرجال النازلين، وطالما تمنَّوْا وجود صاحب همة يطوي لهم الطريق طيًّا؛ ويزيدهم من العلوم شبعًا وريًّا، فكان هذا الفضل مدَّخرًا للمنصوري -نصره الله وأيده-، فأدام النظر في الكتب، وأطال البحث بين جوانب المكتبة، وأسْهر ليله، وحفظ وقته، وأشغل نفسه بما لا غنى لطلبة العلم عنه؛ فكان سعيًا مشكورًا، وعملًا مبرورًا، زاده الله توفيقًا وسدادًا وسرورًا.
وكالعادة فقد راجعتُ له هذا الكتاب، فانتفعت بغزارة مادته، وأعجبْتُ بحسن تصنيفه وترتيبه، وتشرفْتُ بتلخيص أحكامه، تسهيلًا لطالب العلم حصوله على الفائدة، وانتفاع بالكتاب، وقد أُسْهب في بعض الأحكام لأبين دليلي عند من قد يخالفني، وليتمرس طالب العلم على كيفية الجمع بين كلام أهل العلم الذي ظاهره التعارض، ويليق بي أن أشير إلى بعض القواعد
1 / 7
والفوائد التي بنيت عليها بعض أحكامي، سواء في هذا الكتاب أو غيره، وقد أكون وقعت في بعض المخالفة لبعضها، فالعمدة على ما أقرره هنا، فمن ذلك:
١ - الراوي إذا ظهر من ترجمته أنه مكثر؛ فهو ثقة، وكثرة الرواية دليل الاجتهاد في الطلب، وهذا يفضي إلى الاعتناء بالرواية وضبطها، فما لم يجرح -مع شهرته وكثرة روايته-، فهو عدل ضابط، وتظهر كثرة روايته بالتنصيص على ذلك، أو بوصفه بأنه رحالة أو جوال، أو طوّف في بلاد كذا وكذا وكذا، أو بكّر بالطلب، واستمر طلبه سنوات كثيرة، أو صاحب فوائد، أو خرَّج أو خُرِّجت له فوائد أو انتخب عليه، أو مُصنِّف، فإنه لا يصنف إلا المكثر، والتصنيف رتبة عالية، فليس كل مكثر يحسن التصنيف، فمن ذُكر في ترجمته ما يدل على إكثاره وسعة حصيلته فهو ثقة، وقد يكون من الحفاظ، وطالما أنه لم يجُرَّح.
٢ - من ذُكر في ترجمته أنه حدَّث إملاءً، أو من أصل كتابه، أو من أصل سماعه، أو عُقد له مجلس في الجامع، أو دار السنة بنيسابور -مثلًا-، فإن هذا يدل على ضبطه وإتقانه تحرزه، فاذا لم يجرَّح فهو ممن يحتج به، مرضيٌّ عنه.
٣ - من وصف بأنه فقيه، أو شيخ الشافعية -مثلًا- في خراسان، أو قاضٍ، أو من بيوت العلم، أو أديب، أو مقرئ، أو معدَّل، أو المزكي، أو الشاهد، أو الصُّوفي، أو الواعظ، أو المذكَّر، أو الكاتب، أو الزاهد، أو الصالح، أو خطيب الجامع الكبير أو نحوه، أو العارف، أو القائد، أو المجاهد، أو الغزاء، أو مؤذن الجامع الكبير، أو مؤذن فلان من العلماء المشاهير، أو نحو ذلك مما يدل على عدالة الراوي، وصدقه، فإذا لم يجُرَّح، مع كونه من رواة الحديث، فالأصل أنه صدوق يحتج به، وقد يكون ثقة؛ لأن سلامته من الجرح، مع شهرته، وتوافر الدواعي للطعن فيه لو كان
1 / 8
ثَمَّ قادحٌ؛ دليل على أنه مرضيٌّ عنه عند المتكلم، والله أعلم.
لكن يجب التنبه إلى أن بعضه هذه الأوصاف قد تطلق في الراوي على أنها نسبته، وبها تعرف عائلته فقط، فعند ذلك لا يدل -إذا ظهرت قرائن تدل عليه- على عدالته، كما نجد في بعض التراجم؛ فلان بن فلان بن فلان الأَنْصاري وليس هو من الأنصار، إنما أبوه أو جده الأدنى أو الأعلى هو الأَنْصاري، وأما المترجم فهو من بيت هذا الأَنْصاري، فتأمل.
٤ - اشتهر أن الراوي يحُكم عليه بجهالة العين إذا انفرد بالرواية عنه واحد، لكن إذا ذكر هذا التلميذ أن شيخه حدثه في البلد الفلاني، أو في عام كذا، أو أنه تُوفي في سنة كذا، أو وصفه بما يدل على تأكده من وجوده عينه؛ فالذي أميل إليه أن هذا يرفع جهالة العين، ويبقى في حيِّز جهالة الحال، هذا هو الأصل في ذلك، والله أعلم.
٥ - ظهر لي أن الحاكم ﵀ ناقد جبل، وإمام فحْل في الكلام على الرواة، وأنه يسير في ذلك على سنن من تقدمه من أهل العلم، وهذا بخلاف ما اشتهر عنه من التساهل في تصحيح كثير من الروايات في "المستدرك"، وتعديل كثير من الرواة من رجاله في "المستدرك"، والذي يظهر أنه يُفرَّق بين صنيع الحاكم تصحيحًا وتعديلًا وتجريحًا في "المستدرك" وبين صنيعه في تراجمه لمشايخه والرجال في "التاريخ" وغيره، فإذا وُجد من كلامي وأحكامي ما يدل على إطلاق القول بتساهل الحاكم فلا يُعوَّل عليه، والله أعلم.
٦ - الراوي إذا وثقه من قد يتساهل في التوثيق -كالذهبي مثلًا-، وروى عنه عدد من المشاهير، ولم يجرَّح؛ فالنفس تميل إلى الاحتجاج به، ومعلوم أن الحكم على الراوي يُنظر فيه من خلال عدة قرائن، والأمر
1 / 9
بآحاده، ليس كالأمر بمجموعه وهيئته الكلية، والله أعلم.
هذا، وهناك أمور أخرى ستظهر للقارئ -إن شاء الله تعالي- تستحق التنبيه عليها، وفي كثير منها قد نبهت عليها، وفي مواضع -أيضًا-، سواء فيما ذكرتُ من تنبيهات أو فيما بقي قد لا أنبّه اكتفاء بما سبق التنبيه عليه، ولعل في هذا التنبيه ما يكون عذرًا لي، والله تعالي أعلم.
هذا وقد أسْدى الحاكم بكلامه على شيوخه في "تاريخه" خدمة جليلة للإسلام والمسلمين، ولشيوخه أنفسهم، فكم من رجل لو لم نقف على كلام الحاكم فيه لكان في عداد المجاهيل، فوالله لقد كان الحاكم أبرَّ بهم من أبنائهم وأحفادهم، وهكذا يكون طلاب العلم البررة الأوفياء، فإن الخير يأتي منهم لمشايخهم ربما أكثر من ذرياتهم.
نسأل الله أن يصلح لنا أولادنا وذرياتنا، ويبارك لنا في طلابنا وإخواننا، وأن يجعلنا وإياهم مفاتيح خير مغاليق شر، وأن يدفع عنا وعنهم مصارع السوء والهلكة، ويسد عنا وعنهم أبواب الفتن والمشاغل والمشاكل، والعلائق والعوائق، وأسباب محق البركة في المال والولد، والعمر والوقت، أنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
وصلى الله وسلم على نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه
كتبه الفقير إلى عفو ربه، الغني بجوده وكرمه
العزيز بلطفه وستره وعزه وتمكينه
أبوالمحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني
القائم على دار الحديث بمأرب
غفر الله له ولوالديه وأهله وذريته وإخوانه
٢٦/ شعبان / ١٤٢٩ هـ
1 / 10
تقديم: أ. د حسن محمد مقبولي الأهدل -حفظه الله تعالى-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فقد اطلعت على كتاب "الروض الباسم في تراجم شيوخ الحاكم" تأليف الشيخ العلامة: أبي الطيب نايف بن صلاح بن علي المنصوري، فوجدته كتابًا قيمًا في بابه، مفيدًا لطلابه، مهمًا في موضوعه، فقد أجاد وأفاد مؤلفه في جمعه وتحصيله، وخاصة في الشيوخ المتأخرين من أهل الحديث في القرن الرابع الهجري، فقد جمع الكاتب شيوخ الحاكم في هذا الكتاب الذي سهل به كثيرًا من التراجم وأعلام الحديث ورواته لطلاب العلم والباحثين فأكثر الباحثين قد لا يجدون تراجم هؤلاء الأعلام من الرواة، فجاء هذا الكتاب جامعًا ميسرًا على الباحثين، وفي منال الطالبين، من دون عناء ولا جهد، وقد بيَّن الباحث مصادر تراجم هؤلاء الأعلام بالتوثيق العلمي، وذكر أقوال أهل العلم في من ذكرهم في هذا السفر الحافل تسهيلًا لمن أراد الاطلاع على مصادر الترجمة لمن بعده، فهو جهد عظيم؛ نفع الله به، وأجزل لمؤلفه الأجر والثواب على ما قدم، وهو أهل لمثل هذه الأبحاث القيمة المفيدة لما يتمتع به الباحث من التأني والجدية في البحث والتثبيت من جمع المعلومات وتدوينها والصبر والدقة في جمعها زاده الله خيرًا ونفع به الإسلام والمسلمين وحقًا أنه يذكرنا بأعلام
1 / 11
المحدثين ممن كان له السابقة الأولى واليد الطولى في علم الحديث وتاريخ الرجال وكتابة التراجم، ونقد الرواة والبحث عن العلل وعن النكت الحديثية واللطائف الإسنادية ومعرفة الرواة وألقابهم وأنسابهم ومواليدهم ووفياتهم وطبقاتهم ومراتبهم التي يتميزون بها عن غيرهم من الرواة وخاصة عند علماء الحديث وعلم الرجال وقد حوى هذا السفر كثيرًا من هذه المصطلحات العلمية في علم الحديث، فجزى الله كاتبه خير الجزاء وسدد على طريق الخير خطاه وعمله. وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه:
أ. د/حسن محمَّد مقبولي الأهدل
كلية الشريعة والقانون - جامعة صنعاء
قسم أصول الفقه والحديث
١٩ جمادى الأولى ١٤٢٨ هـ
1 / 12
المقدّمَة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)﴾ [آل عمران: ١٠٢]، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)﴾ [النساء: ١]، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (٧١)﴾ [الأحزاب: ٧٠، ٧١].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمَّد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وبعد: فهذه هي المجموعة الثالثة من "سلسلة تقريب رواة السنة بين يدي الأمة"، والتي ظلت أصولها حبيسة الأدراج أكثر من خمس سنوات، وها أنا اليوم أتشرف بتقديمها خدمة لأهل العلم وطلابه، وراجيًا من الله تعالي أن أكون بذلك ممن قد ساهم وضرب بسهم في سبيل حفظ السنة الغراء، وتقريب ما تناثر وتباعد من حملتها ورواتها الفضلاء، الذين سلكوا محجة الصالحين، واتبعوا آثار السلف الماضين، ودمغوا أهل البدع والمخالفين، بحفظهم سنن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
والذين آثروا قطع المفاوز والقِفَار، على التنعم في الدمن والأوطار،
1 / 13
وتنعموا بالبؤس في الأسفار، مع مُساكنة العلم والأخبار، وقنعوا عند جَمْع الأحاديث والآثار، بوجود الكسر والأطمار، رفضوا الإلحاد الذي تتوق إليه النفوس الشهوانية، وتوابع ذلك من البدع والأهواء والمقاييس والآراء الشيطانية، جعلوا المساجد بيوتهم، وأساطينها تكاءهم، وبَوَاريها فرشهم، أصحاب الحديث وحملته، وصيارفته وحفظته، خير الناس، نبذوا الدنيا بأسرها وراءهم، وجعلوا غذاءهم الكتابة، وسمرهم المعارضة، واسترواحهم المذاكرة، وخلوقهم المِدار، ونومهم السهاد، واصطلاءهم الضياء، وتوسدهم الحصى، فالشدائد مع وجود الأسانيد العالية عندهم رخاء، ووجود الرخاء مع فقد ما طلبوه عندهم بؤس، فعقولهم بلذاذة السنة غامرة، وقلوبهم بالرضا في الأحوال عامرة، تَعلُّم السُّنن سرورهم، ومجالس العلم حبورهم (١)، ولله در القائل فيهم:
علم الحديث أجلَّ علم يُذكرُ ... وله خصائصُ فضلُها لا يُنكرُ
ورجالُه أهل الزَّهادة والتُّقى ... وهم بتحقيق المناقب أجدرُ
وقفوا نفوسهم عليه فحدُّهم ... لاينثني ودؤوبهم لايَفْتُرُ
ينفون عنه إفك كلِّ معاند ... بدلائل متلألئاتٍ تُزهِرُ
ويميزون صحيحه وسقيمه ... بمقالةٍ تبيانها لا يُقْصَرُ
لله درُّهم رجالًا ما لهم ... في هذه الدنيا مبان تُعمرُ
في الله محياهم وفيه مماتهم ... وهم على كلف المشقَّة صُبَّرُ
قنعوا بِمُجْزئ قوتهم من دارهم ... ورضوا بأطمارٍ رثاثٍ تسترُ
ماضرهم مافات من دنياهم ... فلذيذ عيشهمُ الهنيء مؤخرُ
_________
(١) "المعرفة" (١٠٨ - ١٠٩).
1 / 14
ولذا فقد اهتم العلماء بذكر بيان أهمية معرفة مراتب الرواة وعلم الرجال، فاستعملوا في تمييز أحوالهم الفكر والبال، ليوضحوا سبيل المتحمل، ويبينوا وسيلة التوصل، حتى قال إمام العلل في زمانه علي بن المديني كما في "المحدث الفاصل" (١)، بإسناد صحيح: "معرفة الرجال نصف العلم"، وقال الفضل بن دكين: لا ينبغي أن يؤخذ الحديث إلا عن حافظ له، أمين عليه، عارف بالرجال (٢). وقال أبو الحسين ابن الدمياطي (ت ٧٤٩ هـ): علم الحديث من أشرف العلوم قدرًا، وأكملها شرفًا وذُخرًا، لا سيما معرفة تراجم العلماء، وأحوال الفضلاء (٣). وقال السخاوي (ت ٩٠٢ هـ): من المعلوم المقرر عند أولي العقول "الصحيحة" وثاقب الفهوم، أن الاشتغال بنشر أخبار الأخيار ولو بتواريخهم، من علامات سعادات الدارين لأولي العرفان والاختبار، بل يرجى إسعافهم للمقصر الذاكر لهم بالشفاعة، وإتحافهم من المولي بمرافقة أهل السنة والجماعة، إلى غير هذا مما يرغب فيه، ويحبب للتوجه إليه كل وجيه. (٤) وقال بعضهم: دراسة حياة الأجداد تربي أخلاق الأبناء والأحفاد، لما فيها من الحكمة البالغة الحسنة، والموعظة المستحسنة. (٥)
وقال الشيخ العباد -حفظه الله تعالى-: علم الرجال يشتغل فيه الرجال،
_________
(١) برقم (٢٢٢).
(٢) "تهذيب الكمال" (١/ ١٦٢).
(٣) "المستفاد من ذيل تاريخ بغداد" ص (٧٥).
(٤) "التحفة اللطيفة" (١/ ٣).
(٥) مقدمة "شجرة النور الزكية" (١/ ٨ - ٩).
1 / 15
وليس كل أحد يصبرُ على هذا الفن. (١)
وقد أحببت أن يكون لي سهمٌ في هذا المضمار، الذي يحبب للتوجه إليه كل وجيه، فشمرت عن ساق الجد، واستعنت بالله فإنه خير معين وممد،
وقلَّ من جدَّ في أمر يحاوله ... فاستعمل الصبر إلا فاز بالظفر
وإن لم اكن أرى نفسي أهلًا لما هنالك، ولا من فرسان ميادين تلك المسالك، فلا يمنعني ذلك من أن أجود بقليِّ وموجودي، ورحم الله القائل: (٢)
أسير وراء الركب ذا عرج ... مؤملًا جبر ما لاقيت من عرج
فإن لحقت بهم من بعد ما سبقوا ... فكم لرب الورى في الناس من فرج
وإن ضللت بقفر الأرض منقطعًا ... فما على أعرج في ذاك من حرج
فتشبهًا بطريقة هؤلاء الأخيار، في جمع رواة الأخبار، من الأجزاء والمشيخات وبطون كتب الأحبار، فقد جمعت في هذه المجموعة الثالثة -والتي أسميتها "الروض الباسم في تراجم شيوخ الحاكم"- مشيخة أحد شيوخ الإِسلام، واحد الأئمة الأعلام؛ الذابين عن سنة خير الأنام، عليه وعلى آله أفضل صلاة وأتم سلام، ذاك العَلَم الشامخ الهمام، أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الحاكم بن البيِّع الإِمام، قمت بجمع ذلك من جميع كتبه المطبوعة، والتي هي: "المستدرك على الصحيحين"، و"معرفة علوم الحديث"، و"المدخل إلي معرفة الإكليل"، و"المدخل إلي الصحيح"، و"تسمية من أخرج لهم البخاري ومسلم"، و"أجوبته على سؤالات البغاددة
_________
(١) "إتحاف العباد" ص (١٤).
(٢) مقدمة "شرح سنن النسائي" ص (٧) للعلامة محمَّد المختار الشنقيطي ﵀ تعالي -.
1 / 16
والسِّجْزِي"، و"أسئلته لأبي الحسن الدارقطني".
كما أني قمت -أيضًا- بنسخ جميع شيوخه -من "مختصر تاريخ نيسابور" للخليفة النيسابوري- الذين ذكرهم في آخر الطبقة السادسة من "تاريخ نيسابور"، ممن أدركهم ورزق السماع منهم بنيسابور.
كما قمت -أيضًا- بجمع شيوخه من كتب راويته أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت ٤٥٨ هـ) ﵀ تعالي-، والتي بلغت سبعًا وعشرين مصنفًا، وهي: "السنن الكبرى" الطبعة الحجرية، و"السنن الصغرى" مع شرح الأعظمي مكتبة الرشد، و"الجامع لشعب الإيمان" مكتبة الرشد، و"مناقب الشافعي" دار التراث القاهرة، و"معرفة السنن والآثار" دار الكتب العلمية، و"الزهد الكبير" مؤسسة الكتب الثقافية، و"القضاء والقدر" مكتبة الرشد، و"الاعتقاد" دار الفضيلة، و"الأسماء والصفات" مكتبة السوادي للتوزيع، و" فضائل الأوقات" مكتبة المنارة، و"الآداب" مؤسسة الكتب الثقافية، و"بيان خطأ من أخطأ على الشافعي" مؤسسة الرسالة، و"الخلافيات" دار الصميعي، و"دلائل النبوة" دار الكتب العلمية، و"المدخل إلي السنن" أضواء السلف، و"إثبات عذاب القبر" مكتبة التراث الإِسلامي، و"المدخل إلي دلائل النبوة" مطبوع ضمن "الدلائل"، و"البعث والنشور" مؤسسة الكتب الثقافية، و"القراءة خلف الإِمام" دار الكتب العلمية، و"أحكام القرآن" دار إحياء العلوم، و"الدعوات الكبير" منشورات مركز المخطوطات والتراث والوثائق، و"رسالة إلى أبي محمَّد الجويني"، و"رسالة إلى عميد الملك" وهما ضمن ترجمته من
1 / 17
"طبقات الشافعية الكبرى"، و"حياة الأنبياء في قبورهم" مكتبة العلوم والحكم، و"جز الجويباري في مسائل عبد الله بن سلام" ضمن أجزاء حديثية تحقيق مشهور، و"الرد على الانتقاد على الشافعية في اللغة".
أودعت كل ذلك هذه المجموعة من هذه السلسلة المباركة -إن شاء الله تعالي-، وذكرت بين يدي ذلك ترجمة موسعة، لصاحب هذه "المشيخة" أبي عبد الله الحاكم ﵀ تعالي-، ذكرت فيها:
اسمه، ونسبه، وكنيته، وبلده، ولقبه، ومولده، وصفاته الخُلُقية، وأسرته، وطلبه للعلم ونشأته فيه، ورحلاته، وبعض الفوائد المتعلقة بشيوخه، من ذكر عددهم، وذكر من أفردهم أو ترجم لهم، وبعض تلامذته، وعقيدته، ومذهبه الفقهي، وتوليه القضاء، وثناء أهل العلم عليه، والمآخذ التي أخذت عليه مع مناقشة ذلك، ومؤلفاته، ومرضه، ووفاته، ومكانها، وسببها، والمنامات التي رؤيت له بعد موته. ﵀ تعالي-.
وأما عن طريقتي التي سلكتها، ومنهجي الذي انتهجته في هذا الكتاب، فهو على النحو التالي:
١) رتبته على ترتيب حروف المعجم، اقتداءً بأول من رتب الأسماء على الحروف من المحدثين، وهو أبو عبد الله البخاري شيخ إلإسلام والمسلمين (١)، وراعيت في ترتيبه الأول فالأول ثم الثاني وهكذا، ليقود الطالب إلى مطلوبه من غير مشقة وكلال، ويسوق الراغب إلى مرغوبه دون تعسر وملال (٢).
_________
(١) "الرد الوافر" لابن ناصر الدمشقي (٥٧).
(٢) "مقدمة نضد الإيضاح" ص (٢ - ٣).
1 / 18
٢) أذكر اسم الشيخ حسب وقوعه في الإسناد الذي ذكر فيه مصحفًا كان أو منسوبًا إلى جدٍ.
٣) ثم أشير إلى الموضع الذي ترجمت له فيه، ويكون ذلك في الموضع الذي ذكرت فيه نسبه كاملًا حسب وقوعه لدي، وذلك مأخوذ إما من ترجمته، أو ترجمة أبيه، أو ابنه، أو أحد أقاربه، وما ذكرت من أني أترجم له عند ذكري لنسبه الكامل هذا في الغالب وإلا فقد لا أترجم له فيه، ولكن مع التنبيه على ذلك، والله المستعان.
٤) تصحيح ما وقع من تحريف أو تصحيف في اسمه أو اسم أبيه أو جده أو كنيته أو نسبته قدر الإمكان، مستعينًا في ذلك بأمور منها:
أ - بالرجوع إلى "إتحاف المهرة" وذلك فيمن كان مذكورًا في "المستدرك".
ب- بالرجوع إلى من أخرج الحديث من طريق الحاكم، أو ذكره عنه.
ج- بالرجوع إلى موضع آخر أخرج فيه الحاكم حديثه هذا.
د- بالرجوع إلى ترجمة شيخه الذي ذكر أنه يروي عنه.
هـ - بجمع طرق الحديث.
و- بالنظر إلى الترجمة نفسها.
٥) ثم أذكر كنيته، فإن كان له أكثر من كنية ذكرتها أيضًا.
٦) ثم أذكر نسبته، فإن كان إلى قبيلة أو حرفة أو خِلْقة أو نحو ذلك قدمتها على النسبة إلى البلد غالبًا، فإن نسب إلى بلدتين قدمت أعمها، وكذا إن كانت إلى قبيلتين، قال الإِمام النووي ﵀ تعالي- في "تهذيب الأسماء واللغات" (١/ ١٣): عادة الأئمة الحذاق المصنفين في الأسماء
1 / 19
والإنساب؛ أن ينسبوا الرجل النسب العام ثم الخاص؛ ليحصل في الثاني فائدة لم تكن في الأول اهـ، فإن كانت إلى بلدتين مختلفتين كأن يقال له مثلًا: البغدادي والنيسابوري معًا، ففي هذه الحالة غالبًا ما أقدم أقدمها حسب ظهور ذلك لي، والله أعلم.
٧) ثم أذكر لقبه إن كان له لقب.
٨) ثم أشير إلى مذهبه الفقهي إن ذكر، وذلك بقولي مثلًا: الفقيه الشافعي، أو الحنفي ... ويكون ذلك ماخوذًا إما من ترجمته، وإما اعتمادًا على ذكره في كتب طبقات أصحاب المذاهب، وقد لا يُنَص فيها على كونه فقيهًا فأذكره بذلك، وقد أقول فيمن كان من هذا القبيل، الشافعي، أو الحنفي ... دون ذكري له بالفقيه، فإن نسب إلى أكثر من مذهب نظرت في آخر أمره وأشهره فصدرت به ترجمته، فإن كان ذكره بأحد الأمرين كان على جهة الوهم، بينت ذلك في أثناء ترجمته، وصدرتها بما كان هو المحفوظ عنه.
٩) ثم أذكر جميع شيوخه الذين ذكروا في كتب الحاكم ممن وقفت عليه في كتبه، وكذا كتب راويته البيهقي في الغالب إلا إذا كان هذا الشيخ ممن أكثر عنه الحاكم فإني -والحالة هذه- أكتفي في ذلك بالتنصيص على كونه أكثر عنه، وأرجئ ذلك -إن شاء الله تعالي- إلى كتابي "إتحاف الخيرة بمن ليس في تهذيب التهذيب من رواة كتب إتحاف المهرة" يسر الله إتمامه.
١٠) ثم أذكر بعض تلامذته مبتدئًا في ذلك بذكر الحاكم -رحمه الله تعالى-.
١١) ثم أشير إلى كتابه الذي أخرج له فيه الحاكم من كتبه مكتفيًا غالبًا بذكر مصدر واحد، فإن خُرِّج له في كتب البيهقي ذكرت ذلك غالبًا كذلك.
1 / 20