250

The Sealed Nectar with Additions

الرحيق المختوم مع زيادات

Publisher

دار العصماء

Edition Number

الأول

Publication Year

١٤٢٧

Publisher Location

دمشق

Genres

العبر والدلالات ١- تدلنا معالجة النبي ﷺ للمشكلة التي استغلها عبد الله بن أبيّ سلول، بالشكل الذي علمناه، على مدى ما قد آتاها الله من براعة فائقة في سياسة الأمور وتربية الناس والتغلب على مشاكلهم، فقد استقبل الأمر بصدر أرحب من ذلك، فلم يعالج الأمر بعاطفة متأثرة، وإنما ترك الحكمة هي التي تدبر، فأمر القوم بالمسير في وقت لم يكونوا يعتادونه، كي ينشغلوا بالسير عن الاجتماع على المحادثة والكلام، واستمر معهم في السير بقية اليوم والليل كله وصدرا من اليوم الثاني، كي لا يدع لهم مجالا يفرغ فيه المنافقون للخوض في الحديث الباطل، فما أن حطوا رحالهم حتى ذهبوا في سبات عميق. حتى لما وصل رسول الله ﷺ إلى المدينة، وانتظر الناس شدة منه على المنافقين، لذلك جاء عبد الله بن عبد الله بن أبي سلول يعرض على الرسول ﷺ أن يتولى هو قتل أبيه إذا كان يرد أن يحكم بذلك، ولكنه فوجىء بما لم يكن يتوقع، حينما سمع من النبي ﷺ: «بل نترفق به، ونحسن صحبته ما بقي معنا» . وكان من نتيجة هذه الحكمة أن ترك المنافقون رئيسهم وتخلى عنه قومه، وراحوا يعنفونه ويفضحون أمره إذا ما أراد أن يتصرف بشيء مؤذ. ٢- قصة الإفك، كانت إحدى المحن التي تعرض لها رسول الله ﷺ، ولقد كانت هذه الأذية أشد في وقعها على نفسه من كل المحن السابقة. ومرة أخرى تجلت الحكمة الإلهية لتظهر حقيقة رسول الله ﷺ وبشريته وإنسانيته، وذلك في تأخير نزول الوحي معلقا على هذه الحادثة، كاشفا لحقيقتها، فاضحا أمر المنافقين. فكانت الحكمة الإلهية متجهة إلى إبراز شخصية النبي ﷺ، وإظهارها صافية غير مشوبة، فقد استقبل النبي ﷺ هذه الشائعة كما يستقبل مثلها أي بشر من الناس، ليس له اطلاع على غيب مكنون، ولا ضمير مجهول، فاضطرب كما يضطربون، وشكّ كما يشكّون، وأخذ يقلّب الرأي على وجوهه، ويستشير أهل الرأي من أصحابه. فهو بشر من الناس، والوحي ليس تحت تصرفه، يأتي إليه عندما يطلب، كل ذلك حكمة بالغة للتدليل على عدم الغلو في شخص النبي ﷺ، وعدم الركون إلى كلام المشككين في حقيقة الوحي.

1 / 272